مقالات

رسالة من الوطن الأجمل إلى الوطن الجميل

رسالة من الوطن الأجمل إلى الوطن الجميل

إلى المناضلين الشرفاء في فتح وحماس

د/ يحيى زكريا الأغا

 

ما أجمل الوطن الذي ننتمي إليه، والأجمل منه وطن تشعر فيه بالأمن والأمان، تحن إليه عندما تغادره، وتعمل فيه من أجل النهوض به.

قبل ثلاثين عاماً ابتسم القدر لي ولمن سبقني، ومن جاء بعدي من أبناء فلسطين عند محطة قطر، التي كانت وما زالت واحة أمن وأمان،  حيث قدمت فرداً، واصبحت عائلة، والسنون تمرّ وتأكل من العمر ما قدّره الله لي في بيئة اجتماعية متجانسة، وعلاقات من المحبة والتقدير بُنيت مع كثير من أهل قطر الأوفياء، وابناء الجاليات الكرام.

وخلال هذه العقود الثلاثة، وفلسطين لم تُسلب من وجداننا، ننتظر الإجازة والإجازة لنعانق الوطن، أو الوطن الذي إليه هُجّرنا لنتواصل مع أهلنا، فنخاطر بأرواحنا لنصل إليهم، وندفع من رواتبنا الكثير للقائهم في أي مكان.

وفي خضم هذه السنوات مرّت القضية الفلسطينية بالكثير من الأزمات، لكننا تغلبنا عليها بحكمة واقتدار قادتها، وتجاوزنا الكثير من العقبات بوقفات صادقة من أمتنا العربية والإسلامية، ولكن الأزمة الحالية التي نعيشها في فلسطين من أصعب الأزمات واخطرها على شعبنا الفلسطيني اينما وجد، فأبناء الجالية في قطر وغيرها هالهم ما حدث، لعمق الجراح، ولكنهم رغم هذا  يتمنون  وحدة الوطن، تحت علم واحد، لأنه وطن واحد، وقدس واحدة، وليس تحت مظلة رايات منتنة سلبتنا الغالي والرخيص، وجعلتنا نعيش في ظلمات من الجهالة ما أنزل الله بها من سلطان.

مضى رمضان وتبعه آخر، وعيدان وتبعه ثالث، وننتظر العيد الرابع، تمنينا أن تُفتح السجون السياسية لإطلاق سراح الأبرياء والمناضلين، ولكن القلوب- كل القلوب -  متحجرة، والعقول متصلبة، - كل العقول - لم يلن طرف لأخر رغم أننا ألنا الحديد وطوعناه من أجل عدونا منذ أكثر من عقد، ونحاور من أجل إطلاق سراح أسير لهم، ولم نليّن الطرف لأهلنا وشركائنا في الدين والدم والمصير.! .

ففلسطين تبحث عن مخرج للأزمة التي تعيشها، تحولت القضية الأساسية إلى قضايا متشعبة ( الحصارالظالم  –مقاومة -  تهدئة – شاليط – المعابر – الأنفاق - الكهرباء – الماء – الانسحاب الجزئي –  البترول – والمخلفات - الدخول والخروج – التنسيق – حكومة مقالة – حكومة تسيير أعمال – شرعية رئيس – عدم شرعية رئيس – والكثير الكثير الذي يندى له الجبين ) والأهداف تحولت إلى مصالح ذاتية، وأمتنا العربية والإسلامية  تستهجن تصرفات غير مسؤولة منا، والعالم يراقب ما يحدث دون تدخل، منتظراً النتائج، وماذا بعد.

لقد تحولت القضية الفلسطينية إلى مصالح شخصية، وهذا ما سعت إليه إسرائيل، فقبل انسحابها من غزة أعلن وزير الحرب أن الاقتتال الداخلي سيكون عنوان الصراع في غزة، فصدقت المقولة، وانجررنا جميعا إلى حرب طائفية، ألقينا تهماً جزافاً، وتهماً باطلة، منها الصادق، ومنها الكاذب، خرجنا من دائرة المحبة إلى العداوة، وفقدنا مصداقيتنا أمام العالم، واصبحنا مطايا لكل من هب ودب، وبدأنا حرباً إعلامية كريهة، ونفسية منتنة،  نأمل أن ينتهي لخير الوطن.

أحمل كغيري من أبناء فلسطين المقيمين خارج الوطن هذا الهم  الطارئ على شعبنا عاقدين أملاً  كبيراً لتجاوز الماضي المؤلم، إلى المستقبل المشرق، عاقدين العزم على حكمة الجميع ، وإلا فليترك الساحة لمن يسعى لوأد الفتنة، ولملمة الجراح،  وإعادة اللحمة للوطن الذي اسميه (فلسطين) إن نسيتوه،  وأقول في رسالتي إليهم : اقتلوا الأنا الفلسطينية، وانفضوا عنكم روح العصبية التنظيمية الكريهة التي لن تجدي ، وتخلصوا من داء العظمة الذي شرب منه القديم والجديد، وابحثوا عن منطقة أمان لشعب يموت كل يوم بين جدران صماء دون سبب، واعملوا على هدم الجدار الذي بنيناه بأنفسنا،  وافتحوا نوافذ الأمل من أجل تحرير الوطن بدل الدخول والخروج من أنفاق مظلمة، وتنسيقات مسبقة، وكرسوا لأبنائكم روح المحبة والمؤاخاة بدل الحقد والضغينة، واكشفوا اللثام عن الوجوه للمقاومة، والقوا بالأقنعة في مياه البحر، ووجهوا الأموال للتنمية فنحن نبحث عن دولة نريدها منزوعة السلاح، لنبني ونعمر، ونعلم، ونؤسس، ونرفع الراية عالية، لنجعل من وطننا واحة للعلم والمعرفة، فلدينا من القدرات ما يجعلنا متميزين، ومن الإمكانيات ما يميزنا عن الآخرين.

نريد دولة على مساحة الأرض الفلسطينية، وليس دويلتين شمالاً وجنوباً، نريد عاصمة اسمها القدس، نريد تنازلاً من حملة لواء الإسلام من أجل الإسلام والوطن والقدس، نريد من السباقين للمقاومة تنازلاً أكثر، لأنهم الأكثر تضحية، ليلتقي الجميع  على جسر من المحبة والمودة، فأرضنا الفلسطينية لا تُسجل في (الطابو) لشخص أو فصيل أو تنظيم، وقدسنا كذلك، وحياة الشعب الفلسطيني ليس رهينة لأطماع خاصة من هنا أو هناك، ولنغلق أفواه المنافقين والدجالين والكذابين والعرافين والمشعوذين  والمصرحين صباح مساء بالزقوم، ولنشرّع الأبواب للصالحين الطيبين المنتسبين لله كمسلمين، ولفلسطين كوطنيين من أجل حياة كريمة لأجيال صنعوا مجداً لم يصنعه السياسيون

يا رجال فلسطين، يا علماء فلسطين، يا وطنيو فلسطين أما آن الآوان لإيقاف النزيف الإعلامي والدموي والسياسي، أما أن الأوان لإيقاف الخطابات واللقاءات، والمقابلات، والزيارات، والرحلات، والمناسبات، والتأبينات، والجنازات، والاعتقالات، والحراسات، والوزارات، والتلفزيونات، والمؤتمرات، والمواكب الرسمية والشخصية،  أما أن الأوان لمراجعة الضمير ومحاسبة النفس للخروج من دائرة الكِبر الذي علق بأفئدتنا، أما آن لنا أن نتخلص من بطانات السوء ، لنلتقي على كلمة سواء تخرجنا من ظلمة الجهالة التي نعيشها الآن إلى شمس الحرية التي نتوق إليها، متى يا أهلنا في "الشمال والجنوب" يتحرك الضمير؟

دماؤنا أسمى من أن تراق لتحقيق أهداف داخلية وخارجية، وسيوفنا ليست مشرعة على أهلنا، وسجوننا ليست مفتوحة لشبابنا وشيوخنا، كفى بالله عليكم مكابرة، كفى ظلماً للشعب الفلسطيني من شخوص لا ترى أمامها سوى ظلها، كفى انتهاكا لحقوق الإنسان الفلسطيني، وكفى إهداراً  للكرامة الفلسطينية، كفى انتظاراً لزمن من أجل تحقيق مآرب خاصة على حساب الشعب، كفى استباحة للدماء لإبراز القوة، كفى إجهاضاً للذات التي حافظنا عليها، كفى طمساً للمناضلين الذين سجلوا بدمائهم فاتورة لتحرير الأرض، كفى ظلماً للعباد، كفى قتلاً للأبرياء، كفى استخفافاً بالشعب، وكفى زهقاً للأرواح، كفى تهافتاً على موائد السلام.

 

لنلتقى على كلمة سواء، لنبحث عن نقاط التوافق لا الاختلاف، فالكل توافق مع إسرائيل، بطرائق مختلفة، والكل تنازل عن الأهداف التي وضعها منذ عشرات السنين من أجل السلام، والكل امتهن سياسة الكذب والخداع والضغط، والكل أصبح أمام الناس جزءاً، لا تستخفوا بعقولنا، ولا تمسخوا ذاتنا، فلنا أعين تبصر، وعقول تميز، وأفئدة ترى.

هذه رسالتي أيها الشقيقان في ( فتح الثورة وحماس الثورة) إلى كلمة سواء، فنحن أحوج إلى الأمن والأمان، إلى التنمية بكل أنواعها، إلى يدٍ تبني ولا تهدم، وعقل يفكر ويبدع لمستقبل أفضل.

 

 

 

 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد