مقالات

رحم الله شيخنا كمال سعيد الأغا


 

سماحة الشيخ كمال الاغا
1920-2007

Øرحم الله شيخنا كمال سعيد الأغا وعاء العلم والفضل والأخلاق ×
الشعار الذي أحبه شيخنا "كمال سعيد حمدان الآغا" وآمن به، وراح يبشر به الحكمة القائلة: "استمر في الغرس والتنمية، ولاتتعجل الانتاج، وليكن عملك هذا بداية وليس النهاية".
والحكمة التي تعشقها فضيلته وترنم بها طوال حياته قول "الحسن البصري": رحم الله رجلاً نظر فتفكر وتفكر فاعتبر واعتبر فأبصر وأبصر فصبر... كل هذا من شأنه أن يعني اضطراب الأفكار وتعثر الأقلام هيبة من الحديث عن هذه الشخصية من المهد إلى اللحد، لاسيما إذا كان  المتحدث رئيس مركز التراث الفلسطيني، خشية أن يظلمه ولايفيه حقه.  لقد علمت من الأخ عاصم نجل الشيخ والباحث في الشأن الفلسطيني نبأ وفاة والديه رحمه الله.
*******
رأى شيخنا نور الحياة في مدينة (خان يونس) في مستهل عام 1920.  وفتح عينيه على والده (الشيخ المجاهد سعيد حمدان) المتبحر في الدين، لأسرة توارثت الجهاد والعلم كابر عن كابر.  فترعرع الإبن في أحضان التقوى ورضع لبن الفضيلة واجترار الخير والتفاني في خدمة دينه، وإذ توسم فيه والده الحرص على اغتراف العلوم، أرسله إلى مصر للإلتحاق بجامع الأزهر، وكان شيخه الإمام (محمد مصطفى المراغي) وكان من تلاميذ الشيخ (محمد عبده) المتطلعين إلى الاصلاح، وأول ما التحق الشيخ كمال في كلية الشريعة، ومدة الدراسة بها أربع سنوات، يدرس فيها: التفسير والحديث متناً ورجالاً ومصطلحاً، وأصول الفقه مع حكمة التشريع، ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية، وتاريخ التشريع الإسلامي، والمنطق والفلسفة، ولغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) بصفة اختيارية، والذي يجتاز هذه المرحلة ينال شهادة الدراسة العليا.
ثم يليها مرحلة العالمية مع إجازة القضاء، والمواد الدراسية فيها هي: قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية، التوثيقات الشرعية والقانون الدولي الخاص وتاريخ القضاء والقضاة في الإسلام، النظام الدستوري للدولة، ومحاضرات في مبادىء الاقتصاد ومحاضرات طبية ومحاضرات فلكية، لغة أجنبية اختيارية.
ومرحلة أخرى للحصول على شهادة العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول والمواد التي يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العليا، وهي الأصول والفقه مـع حكمة التشريع ومقارنة المذهب وتاريخ التشريع الإسلامي.  وقد برزت مواهب شيخنا في جميع هذه المراحل، فحصل على الشهادة العالمية، وكانت عهد ذاك أعلى درجة علمية في سائر أنحاء العالم الإسلامي، وشهادة التخصص في القضاء الشرعي، ولقد ينبغي أن نضيف إلى ما سبق، أن الله هيأ لشيخنا استاذاً عالماً اختصه بمزيد من العلم هو "الشيخ عيسى منون" المقدسي الذي انتخب شيخاً لرواق الشوام، ثم أسندت إليه مشيخة كلية أصول الدين، فمشيخة كلية الشريعة وعضوية لجنة الفتوى ورئاسة لجنة الحديث.
وبعد أن سلخ شيخنا في الأزهر حوالي عشر سنوات، عاد إلى فلسطين حوالي عام 1944، وكانت أول درجات سلمه الوظيفي العمل ككاتب في محكمة يافا الشرعية، ثم رئيساً لكتابها حتى نكبة عام 1948، حيث عاد إلى غزة، لكنه على الرغم مما حز في قلبه من مرارة وآلام، لم يسمح يوماً لليأس أن يتطرق إلى فؤاده، وعزاؤه الوحيد مهما برحت به الهموم وحزت في نفسه الآلام، أن يرى السعادة كل السعادة في تأدية الواجب في خير يعمله وحقيقة تبحث ووطن يخدم.  وعلى التوازي مع ذلك، عمل محامياً شرعياً فترة من الزمن، وقد أعانه في عمله هذا، ما وهبه الله من خصب التفكير وأصالة الرأي، ونستطيع بعد هذا أن نزعم، أن الشيخ كان من مؤسسي المحكمة الشرعية في مدينة (رفح) وعمل فيها قاضياً شرعياً إلى أن انتقل منها لرئاسة محكمة (خان يونس) الشرعية، وفي النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، انتدب عضواً في محكمة الاستئناف العليا الشرعية في مدينة غزة، ومن بعد عمل مفتشاً عاماً على المحاكم الشرعية في عموم قطاع غزة، وفي حوالي عام 1987 عين رئيساً للمحكمة نفسها، إلى جانب هذا كله، كان له صلاحية الإشراف على المساجد والأوقاف.  ولسنا نريد أن نتابع هذه الأمور بالتفصيل، فليس في هذه الدراسة موضع لتقصي مثل هذه المسائل، ولذلك نكتفي بالإشارة إلى تعيينه عضواً في المجلس الإسلامي الأعلى، ولقد ينبغي أن نضيف إلى ما سبق دور الشيخ البارز في إنشاء دور الزكاة، صاحبة الدور الهام في العناية بدور الأيتام وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية.  وآخر ما نقوله في هذا المجال، أنه بعد قيام السلطة الوطنية في الأراضي الفلسطينية بحوالي عام، عين الشيخ عضواً في مجلس الافتاء الأعلى، وآخر ما تقلده من مناصب هو نائب مفتي القدس والديار الفلسطينية.  وأقرب الاحتمالات في ظننا أن نقول، بأن ثمة ملمح مشترك تتقاسمه شخصية شيخنا في جميع مراحل حياته الوظيفيـة، وذلك هـو عزيمته الجبارة واقدامه الذي لايعترف بالصعاب والعقبات، وجده الذي لا اشفاق معه على صحة ولا جهد، وقد يكون أمراً هاماً لنا أن نلاحظ أنه رحمه الله كان في وسعه أن يجعل أي مكان هو فيه مجلساً من مجالس العلم والمذاكرة، ولم يأت كل ذلك عن طريق الصدفة فيما يبدو، بل هو نتيجة منطقية لتفاعل سمات عدة في شخصية الشيخ، فقد كان مضرب المثل في الوفاء، وخلقه قطعة من السماحة والرضى، والذين اتصل حبلهم بحبل الشيخ وتتلمذوا له، عرفوا فيه سمت الهيبة والوقار، وخبروه فقيهاً راوية للحديث حافظاً للنصوص، مرجعاً في شئون الفتوى، وتقياً صالحاً يهابه مواطنوه ويحترمه طلابه.
وأظهر ما يتجلى في شخصية شيخنا، هو تملكه ناصية الخطابة، ولا نستطيع أن نتفهم مدى خطورة هذه الناصية، إلا إذا أدركنا طبيعة الأحوال السياسية التي كانت تمر بها فلسطين آنذاك، التي كانت قد ابتليت بالانتداب البريطاني، الذي سلم فلسطين عام 1948 إلى لؤم الصهونيه، اللؤم الذي لم يسبق له مثيل من جناة البشر، يدعمهم الغرب المسيحي الإمبريالي على كافة المستويات والأصعدة، يقابل ذلك موقف الصمت المطلق والعجز الصارخ عربياً وإسلامياً أمام هذا الاكتساح الشيطاني، وبالنتيجة كانت الخطابة من أشد الأسلحة في يد الشعب الفلسطيني مضاءاً في ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية والحث على الصمود والجهاد ضد الخصم الجاني، وهناك رأي في الشيخ، لم أجد أصدق منه ولا أحكم، وهو أنه من أفصح خطباء عهده، وهو على كل حال يضع الشيخ في مكانة، قل من يستطيع انكارها عليه، فقد اشتهر بخطبه الارتجالية البليغة، يرسلها بلسانه الطلق، وبلهجته الحارة الصادقة، ومحاضراته القيمة في سبيل الدعوة للدين الطهور ورص الصفوف والذود عن حياض الوطن.
على أن أعجب ما في حياته الحافلة بالعجائب وطنيته الصادقة، فقد كان رمز الوطنية الحقة والتضحية الغالية في سبيل الوطن، والوطنية في ذاتها صفة جديرة بالاعجاب والتمجيد، ولكن الشيخ (أبا ياسر) يمثل عندنا ناحية أخرى أجل وأعظم من الوطنية، وهي الإيمان، الإيمان الصادق الراسخ الذي ينبعث من القلب، ونستطيع أن نستمر طويلاً في ضرب الأمثلة الدالة على صلابته وشجاعته إلى حد مجابهة الخطر الذي يكاد يكون محققاً.  غير هياباً ومتردداً في تلك الظروف العصيبة والجو المكهرب الذي واكب الاحتلال الإسرائيلي لغزة منذ عام 1967، وموافقة الوطنية آنذاك لاتزال محفورة في وجدان أبناء شعبه.  وما قيل فيها يكفي، فالمعنـى واضح ولايحتاج إلى تكرار، ونحن نستطيع أن نتوسع في هذه القائمة ونزيدها طولاً، وأحداث مسجد فلسطين الدامية لاتزال تذكر، وهي غنية عن التعليق في الدلالة على مبلغ قدرته في إطفاء الحرائق حين عمد إلى الحكمة والروية التي أثمرت في جمع الفرقاء في منزله، وراح بلسانه الطلق وبلهجته الحارة الصادقة وحسه المرهف وعاطفته المشبوبة ينزع أسباب الخلاف، مؤكداً أن الدم الفلسطيني خط أحمر، لايجرؤ على تجاوزه إلا فاقد الانتماء للوطن والدين الحنيف، ولم يهدأ له بال إلا بذهاب الممثلين لحركتي فتح وحماس بمعيته إلى مقر الرئاسة الفلسطينية، وهكذا أقسم الجميع أمامه وأمام الرئيس (عرفات) على التشبث بالوحدة الوطنية ووأد كل محاولات شق صفوف الشعب الفلسطيني التي يشعل نيرانها المتربصون بالشعب الفلسطيني من أبناء صهيون.
ومن المحال علينا أن نترسم في هذا المجال الضيق جميع مزايا الشيخ، ويأتي في مقدمتها "النزاهة" التي غدت عنوان شهرته، وكرمه الذي خص به المحتاجين وما أكثرهم من أبناء شعبه، وكان بذلك مضرب الأمثال، وكان الفقيد هادىء الخطى والكلام، متزناً في عقله وفكره وفي كل حركة يأتيها، وعاءاً للعلم والفضل طوال حياته، بيد أن هذه الحياة قد عكر صفوها ما اصطلحت عليه العلل والأمراض وشق وحدة الشعب الفلسطيني، وعاش سنواته الأخيرة يتطلع أن يرى شعبه موحد الصف والهدف والراية، وفي يوم 4/12/2007 فوجىء الشعب الفلسطيني بوفاة شيخه فاستعظم المصاب وأكبر الخسارة، ولاغرابة وقد خدمه هذا الماجد بالصمت والتجرد ونكران الذات... وهكذا ودع الشيخ كمال هذا العالم الجاني، حميد السيرة طيب السريرة، ولم تغره أباطيل الدنيا الغرور، ولم تخدعه مباهجها المنمقة وبهارجها المزوقة، وترك في الأوساط الوطنية اللوعة على فقد الوطن بشخصه داعياً يخاف الله ويبارك العدل ويحارب الظلم.
*********
فيصل صالح الخيري
رئيس مركز التراث الفلسطيني


تونس 1992: المرحوم سماحة  الشيخ كمال سعيد الاغا مع الراحل الرئيس أبوعمار


الاردن 1990: المرحوم سماحة  الشيخ كمال سعيد الاغا مع الراحل الملك حسين ملك الاردن


مصر  التسعينات: المرحوم سماحة  الشيخ كمال سعيد الاغا مع المرحوم الشيخ محمد الغزالي أحد علماء الأزهر


مصر الثمانينات : المرحوم سماحة الشيخ كمال سعيد الاغا مع المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق  شيخ الأزهر بمصر


غزة 1998:  المرحوم سماحة  الشيخ كمال سعيد الاغا مع نجله د. صهيب خلال حفل التخرج الثاني لطلبة جامعة الازهر

اضغط هنا للتعرف على المرحوم الأستاذ كمال سعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد