مقالات

جماليات الشعر الفلسطيني 2

 


الباب الثاني
جماليات الأشكال الفنية في الشعر الفلسطيني المعاصر

تقديم
الفصــل الأول : البناء الروائي في القصيدة
الفصل الثاني: البناء الدرامي في القصيدة
الفصل الثالث: البناء المسرحي
الفصل الرابع: الرسائل الشعرية في القصيدة
 
تقديـــــــــــــــــم
الشعر هو الكلام الموزون المقفى، هذا ما اصطلح عليه أدباؤنا ونقادنا الأوائل، وإلى يومنا هذا بمعنى أن عنصر الموسيقى من العناصر المكونة في بناء البيت الشعري، ولقد تطور هذا المفهوم حسب النظريات والمدارس الجديدة التي ظهرت في الوطن العربي، إما بتأثير التيارات الفكرية الغربية، وإما اجتهادات شخصية، لكن مادام يصب في قالب الشعر ولا يُخرجه عن إطاره العام بكونه أنه شعراً، فلا نعتقد أنه يمس مضمون الشعر، ولقد رأينا من خلال الدراسات الشعرية والقصائد، كيف تغيّر الشكل الشعري، وما صحبه من تغيير في المضمون، يصاحب التغيير في الشكل، لكنه لم يمس أهم عنصر من عناصر القصيدة وهو الإيقاع الموسيقي المتمثل في بحور الشعر المختلفة، فمثلا رأينا الشعر الأندلسي المتعلق بالموشحات الأندلسية وما حدث فيها من تغيير في الشكل، أثرت اللغة العربية بكثير من الأبحاث والدراسات والنظريات العامة والخاصة، واعتبر هذا الشعر في تلك الفترة وإلى اليوم من الإبداعات الشعرية المميزة للشعر الأندلسي، وقد سبق هذا تغيير في شكل القافية من حيث التنويع في القوافي، كل بيتين أو ثلاثة أو أربعة بقافية موحدة، وهكذا الحال بالنسبة لمعظم القصائد، لكن في جميع المحاولات بقي ميزان النص الشعري ثابتاً، لكن التغيير حدث في طول وقصر التفعيلات، ومن هذا المنطلق فقد حدث في الشعر الحديث الكثير من التغيرات في الشكل، أثرت المكتبة العربية بالدراسات ذات القيمة الأدبية والنقدية من خلال ما حدث لشكل القصيدة من تغيير، ومن هذه التغيرات ، أن الشعراء يلونون في بناء النص الشعري حسب الأشكال النثرية المعاصرة المعروفة، المسرحية والقصة والرسائل، ولقد أثرى هذا النوع من الكتابة الشعرية الفكر بأبحاث جديدة، ولا يمكن أن يكون عائقاً يحـدُّ، كما يدّعي بعض الكتاب والنقاد.

مما سبق رأينا أن الشعراء في فلسطين أسهموا إسهاماً مباشر اً وغير مباشر أحياناً في التعبير عن تجاربهم المختلفة من خلال رؤية معينة أضفت جمالاً على هيكل القصيدة الجديد، مع تنمية الفكر والشعور، ولقد سار شعراء فلسطين على هذا النهج بصورة واضحة، مما حدانا أن نقف على هذا الموضوع من خلال دواوين الشعراء المعاصرين.
 








الفصل الأول : البناء الروائي في القصيدة



 
الرواية في الأدب العربي من عناصرها: الشخصيات والزمان والمكان والحوار والحبكة، وهي معروفة لكل أديب وناقد وكاتب، ولكن أن تُكتب القصيدة بشكل الرواية، فيعتبر جديداً على الأدب بصفة عامة، لكن طبيعة التطور التي أصابت الحياة بكل أشكالها وألوانها أثّر على القصيدة الشعرية بصفة خاصة وعلى الأدب بصفة عامة، ومن هنا بدأ الشعراء يدورون في فلك الأدب دون الخروج عن أساسيات النص الشعري، ومكوناته، فوصل تفكيرهم إلى هذا اللون من الشعر، بأن تُكتب القصيدة على شكل الرواية المتعارف عليها في الأدب، دون المساس بالعناصر الأساسية للنص الشعري، و يطالعنا من ضمن الدواوين الشعرية لشعراء فلسطين، قصيدة للشاعرة فدوى طوقان بعنوان "في المدينة الهرمة" وتجري هذه القصيدة بين شارع كسفورد في لندن، وسوق العطارين في نابلس، بالإضافة إلى الشخصيات الموجودة في النص، والحوار بين الشخصيات، وهكذا تمثلت في القصيدة لغة الرواية المتعارف عليها، فماذا تقول فيها :
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
والأرصفة
مع الناس، يجرفني مدُّها البشريّ
أموج مع الموج فيها، على السطح أبقى
بغير تماس
ويكتسح المد هذي الشوارع والأرصفة
وجوه وجوه وجوه وجوه تموج
على السطح يقطن فيها اليابس، وتبقى
بغير تماس.
هنا الاقتراب بغير اقتراب
هنا اللاّحضور حضورٌ، ولا شيء إلاّ
حضور الغياب
وتمضي الشاعرة في قصيدتها من خلال صورة الرواية في النص:
يبادلني خاتم السجن صمتا فصيحا ( ويقول
لها حارس السجن إن الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
ولكن عائشة ما تزال تصر على القول
إن الشجر
كثيف ومنتصب كالقلاع، وتحلم
بالغابة التي تركتها تؤج بنيرانها
قبل خمس سنين (1)
وتظهر شخصيات أخرى في القصيدة مثل "أُوزبورن" وعجائز إنجلترا، وشباب الهيبز، وسيدة لندنية، مع ظهور أماكن أخرى وهكذا استطاعت الشاعرة بكل اقتدار النضج الفني أن تصل إلى غايتها من النص.
وتتوالى التداعيات عن وعي لدى الشاعرة، حيث يسْتدعى السوق، ومرور المجنزرة التي تعبره دون اكتراث، صورة من صور الوطن، وهذا سوق النخاسة الذي بيع فيه الأهل كما تقول الشاعرة، عندما حدث الوعد المشؤوم ، وقد استطاعت الشاعرة الربط بين الأحداث والموضوعات التي تتداعى من وعيها، للوصول إلى هدفها من القصيدة، بأن الوطن مهما حدث فيه سيبقى شامخاً :
أمارس حمل الخطيئة، معصيتي أنني غرسة أطلقها جبال فلسطين
من مات أمس استراح، أشك لكل بقاياهمو في القبور
تئن وتلعنني حين أفسح في السوق دربا لتعبر نصف مجنزرة
ثم أمضي بغير اكتراث
رسالة عائشة تستريح على مكتبي

(1) فدوى طوقان، ص 573

وتواصل الشاعرة في عرض النص الرواية إن صح التعبير، بشكل يبرز قدرة الشاعرة على وصل الفصول والحلقات مع بعضها البعض، فتستدعي بعض مقتطفات من التوراة ضرورية في هذا الموقف، لتخدم شخصية معينة وهدف آخر إلى أن تنجرف أمام التيار عندما أضاءت الإشارة الضوئية الضوء الأخضر، فتظهر في الحال شخصية أخرى من خلال رحلة التداعيات في ذهن الشاعرة.
وتتمثل في شخصية " أوزبورن " الشخصية التي ألفت مسرحية "غرب السويس"وهي إحدى المسرحيات الرمزية الواقعية التي تتحدث عن حضارة إنجلترا التي توقفت عندما ظهر وجه جديد على الساحة الإنجليزية وهم "الهيبز" الذين بهم ستنهار لندن، وهكذا تمارس الشاعرة رحلة التداعيات من خلال وقفات أمام حانوت، حيث سيدة إنجليزية تجرّ كلبها، محاولة التغلب على عصريات العصر، ولكن دون جدوى، أصبحت وحيدة، وكذلك الشاعرة، وتسير في المدينة من مكان إلى آخر في محاولة منها تحويل التكنيكات الروائية إلى شعرية، من خلال رؤيتها النفسية والذاتية والعصرية.

(1) فدوى طوقان، ص 573
 

وهكذا ساهمت الشاعرة فدوى طوقان من خلال النص مساهمة رائعة، أضفت جديداً إلى لغة النقاد، فكان لها القدرة على استغلال البناء الموسيقي وإمكاناته، للتعبير من خلال عدد من الأصوات من خلال الشخصيات التي ذكرناها، وتصوير الأبعاد المختلفة في رؤاها الشعرية، ولا يقتصر الأمر عند فدوى ، فمعظم شعراء فلسطين ساهموا مساهمة ناضجة في السير على هذا النهج من خلال التلوين في عطائهم الشعري على مر عقود من الزمن خلت.
وللشاعر توفيق زيّاد قصيدة تدور حول الشكل الروائي بأسلوب شعري، حيث تبرز لنا ملامح الإبداع الفني، والقدرة الشعرية على تنمية مهاراته الذهنية والفكرية، من خلال استدعائه لمتطلبات الرواية، ومن خلال ربط الأحداث بعضها البعض، وقدرته على تحويل الأدوات القصصية إلى أدوات شعرية، فتبرز ملامح تلك المعاني من خلال قصيدة "رمضان كريم" حيت تمثل قصة  واقعية: الزمان : الليل، المكان : بيت عبد الرحمن، الأشخاص : أبناء الحارة، الحوار: عن الوطن المسلوب، إضافات أو بعنى آخر "ديكور": زوج من الحمام، وخيرات الأرض على جانب المكان، صوت الراديو مع كوبا، فيقول:
غداً العيد
فالأرض شذى، ووعود
والليلة صافية.. بستان ونجوم
وعباءة أحلام وسلام
والقمر المتألق كأس نديم
والقرية لا تغفو
فالليلة عيد (1)

(1) توفيق زياد، ص 327


هكذا يقدم الشاعر القصيدة، ليبرز معالم النص الشعري من خلال الأسطر الشعرية السابقة التي تتفاوت في الطول والقصر، وكأنه يريد أن يقول إن الموضوع متعلق برواية أو قصة، كل واحد له دوره في الحياة، فبعد أن مهّد بأن العيد غدا، أراد أن يسأل ماذا يحدث الليلة تمهيدا لاستقبال العيد، أو ما هي علامات العيد؟ قال بأن الأرض شذا ووعود، ما أجمل هذين اللفظين المعبرين عن معان جميلة، وآمال عريضة، ثم قال والليلة صافية، بستان ونجوم، وما أجمل تحديده مفاهيم الليل من خلال تجانس الألفاظ وتتابعها، الليل، النجوم، الليل صاف، بستان ونجوم، صور شاعرية مستمدة من البيئة الواقعية، وليس للخيال كما نرى دور في إبرازها ثمّ يُكمل الشاعر بالعطف، وعباءة أحلام وسلام، وهذا ما يدور في مخيلة كل إنسان عندما يجن الليل، والقمر يطغى على المكان، كأنه كأس النديم، علما بأن القمر لا يكون في اكتمال صورته هذه الليلة، فهو محار، ولكن إحساسه وأهل القرية يستعدون لاستقبال العيد، فماذا يقول في الجزء الأول من القصة :
كعادة أهل فلسطين، فإن أهل القرية يتجمعون في بيت واحد لعمل كعك العيد، وها هم تجمعوا في منزل" أبي عبد الرحمن" لعمل الكعك، وتبقى القرية في سهر حتى الصباح، تشرب قهوة، مع تجاذب لأطراف الحديث، كل حسب رؤيته لماضيه وحاضره ومستقبله، منهم الواقعي، ومنهم الحالم، ومنم المتمني، ولا ينسون الوطن المسلوب أثناء حديثهم.
ويدور الحديث في البيت الذي مضى عليه أكثر من مائة عام، وتظهر لنا خيرات الأرض، وينتشر الناس في حلقات، فهناك النساء، وهناك الشيوخ، وهناك الأطفال، وهكذا كل واحد يأخذ دوره في الرواية، وحتى تتضح معالم الصورة أكثر، نقف علـــــى القصيدة، حيث يقول الشاعر:

ببيت أبي عبد الرحمن تجمعت الحارة
تفتل كعك العيد
وتودع آخر ساعات من رمضان
وتعيش الليلة حتى الصبح
تتحدث تشرب قهوتها تثرثر
ويقص ألواح للآخر ما تيّسر
عن أشياء أمرُّ من العلقم
وأمان كالكأس الأشقر
وعن الوطن الغالي
والفردوس المسلوب
وعن السد العالي
وبلاد المسكوب
 و "بو حديد "
 و" بو عنتر"
والبيت كبير واسع
عقد من أيام الجد الرابع
في السقف يعشعش زوج حمام
وبجوّه تعبق رائحة الأيام

وخوابي الزيت المخزون
وأريج النرجس والزعتر
ودخان التبغ المحروق
غيمات.. غيمات يتبعثر
وهنا وهناك،
ينتشر السمّار هنا وهناك
حلقات - حلقات:
النسوة حول وجاق عجين
وصغار من كل الأعمار يضجُّون
وشباب، في مرح، يتسلّون
وشيوخ حول "السادة" والكانون (1)
وهكذا نرى أن الشاعر يفتح ستارة، ويُغلق أخرى بأسلوب حواري مميز، ينم عن موهبة عالية، ومعجم لغوي مميز، ودراية بمعطيات الصورة الأدبية، ومن هنا يمكننا القول بدقة خضوع الشخصيات التي تناولها الشاعر للضوء، فيعرف متى تظهر شخصية عبدالرحمن والنسوة والشيوخ والشباب، ويضع كل واحد في مكانه المناسب.والمدقق للقصيدة السابقة يمكن أن يرى الملاحظات التالية:
أن الشاعر تناول قطاعاً واسعاً من الحياة الإنسانية، حيث وجدنا أن الشاعر اهتم بالتفاصيل والجزئيات فأعطى صورة كاملة لبيئة من الوطن، بتفاصيلها ودقائقهـــا من خــلال ما يـحدث ليلـــة العيــد، ولقد أبــرز الشاعر من خلال ما

(1) توفيق زياد، الديوان.
 قدّم الرواية، بمـا لا  يدع مجالا للشك، ومن هنا يمكن اعتبار ذلك من جماليات القصيدة المعاصرة في الشعر الفلسطيني ومن علامات إبداع الشاعر، سواء من خلال موهبته الشعرية، أو من خلال عطائه المميز، وهكذا اتضحت معالم الصورة للقارئ أكثر وإن أردنا الوقوف بتفاصيل أكثر، فمن الممكن أن يُرجع للقصيدة للتعرف على السمات العامة للنص.


 








الفصل الثاني : البناء الدرامي في قصيدة الشعر الفلسطيني                    المعاصر
 
الدراما من الفنون الراقية التي تبرز العمل المكّون من وجهين، هما الخير والشر، في شكل واحد ، وقد حاول شعراء فلسطين كغيرهم من شعراء الوطن العربي، التعبير عن هذا اللون من الفن على شكل قصائد شعرية مستغلا في ذلك إمكانياته الفنية والإبداعية والنفسية في رسم هذا الصراع بأبعاده المختلفة، من خلال رؤية شعرية تنم عن رقي في التعبير وجمال في الصياغة، دون المساس بأساسيات الشعر، ونقف أمام قصيدة للشاعر " توفيق زيّاد" في قصيدة" مقتل عواّد الإمارة من كفر كُنّا" حيث نجد أن القصيدة تتكون من ثلاثة أصوات، الصوت الأول، مات عواد الإمارة وهو يحمل رغيف الخبز في يده وفوق الكتف فأسه، ولكن ثلاث رصاصات أتته من مكان قريب، وهنا يبرز الشاعر أسلوباً غير إنساني كان يُتّبّع ضد أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يكدون من أجل الحصول على قوت يومهم، والصوت الثاني، هو وجه عواد الإمارة بصفاته الطيبة التي كان يتحلى بها، وهذا هو طبيعة الشعب الفلسطيني، أما الصوت الثالث، فيذكر أن عواد كان محبوباً، لا علاقة له إلا بالأرض، والناس والقصص التي يتناقلها الناس، وكان من صفاته قوياً شجاعاً متماسكاً، ولكن كانت الرصاصات أقوى منه، عندما جاءته من الخلف، فهوى على الأرض : (1)
الصوت الأول:
على الإسفلت مات اليوم "عوّاد الإمارة"
رغيف الخبز في يده، وفوق الكتف فأس
رصاصات ثلاث
جئنه يصفرن
من صوت البيادر
وحتى الَّلمعة البضاء


(1) توفيق زياد، ص 244
من المسدس، ما رآها
كنا نحلم بالمطر
الصوت الثاني:
كان عوادا لإمارة طيباً، شهما، شجاعاً
يطعم الأرض إذا جاعت،
جبينا وذراعا
كل ما كان...
رصاصات ثلاثٌ
غبن فيه
فتداعى!!
الصوت الثالث:
كان يهوى الضحك، والأطفال، والتبغ المحلى
كان يهوى الرقص في الأعراس
والشاي الثقيل
وحكايا الليل والفرسان
والماء المعطر، والسياسة
والروايات التي يرويها الناس، هنا
جيلا لجيل
كان كالصخر قوياً
إن هوت قبضته تصرع ثوراً
كان أميّاً، ولكن...
يحفظ الأمثال، والشعر الجميل
كان ياما كان! كان
كل ما كان
رصاصات ثلاث
جئنه يصفرن
من صوت البيادر
المدقق للأسطر الشعرية، يجد أن عواد الإمارة يمثل لوحة أدبية تجمع بين الشعر والنثر فيما يُسمى بالدراما الشعرية، إن صح هذا المسمى من وجهة نظر أدبية، فالشاعر كما نرى عاش الموقف الواحد بكل أبعاده، وكل آلامه وأحزانه، وأفراحه، حتى يخرج لنا بهذا اللون الرائع بألفاظه وحروفه وكلماته المتناغمة دون المساس بأفضلية الشعر في هذا المضمار، على اعتبار أن الشعر هو أساس العمل في هذه اللوحة الفنية الرائعة، ويكرر الشاعر تلك المراحل ثلاث مرّات في النص، إلى أن يصل إلى نهاية القصيدة، ويضع لها عنواناً جزئياً :
تهليلة جماعية :
وسدهِّ ..بطن هذي الأرض، يا إخوته
إن هذي الأرض كانت دائما مهجته
إنها كانت، وما زالت،
لعوّاد الإمارة، أمّه.. أمته
فاحفظوها، واحفظوا القبر الذي غيّبه
احفظوه..واحفظوا خضرته.
مما سبق ظهرت لنا ملامح الصورة التي ساقها الشاعر بأسلوب درامي، ومن الممكن أن تظهر أحياناً بأسلوب قصصي، لكن الغالب عليها، هو ما وقفنا عليه وهو الدراما الشعرية بوجهيها الخير والشر، وكان للشر في فترة أن يهزم الخير، لكن الأبناء حاملي الراية لن ينسوا هذا الشر، فسيحولوه إلى خير من خلال الدرس الذي تعلموه.
وقد كتب الشاعر"أحمد دحبور" قصيدة درامية، يتركب فيها الصراع بين نفط الكويت، وحرائق لبنان، وتطوير عمّان بعد الحرائق، ويعتبر أن هذا الكلام مضى عليه أكثر من تسع سنوات، لأن القصيدة نُظمت في موسكو بتاريخ 1987/6/15 يصور فيها الصراع القديم وما حدث في المدينة التي أصبحت خرابا، في تلك الفترة، ولكن بعد مضي فترة من الزمن، تحوّلت إلى بيضاء، كما كانت في السابق، وأصبحت الطمأنينة تسير بين شوارعها، وعجلة الحياة سارت كما كانت في السابق : (1)
ألم تكتشف بعد أن المدينة بيضاء في الليل؟
أن الطمأنينة اكتشفت وجهها بين هذه الشوارع؟
هل زرت؟ لا شك أنك قد زرت بعض المصانع
هل حدثوك عن الحرب والويل؟
ماذا ترى الآن؟
شمساًمؤبدة..وقلاعاًحصينة
وحتى الَّلمعة البيضاء
فلماذا السمات الحزينة؟
كما نرى الشاعر أبرز صورة من صور الدراما الحديثة، من خلال معطيين، هما الخير وما يحمله إلينا من نهضة عمرانية وصناعية، وما يسبق ذلك من استقرار نفسي وسياسي، والوجه الآخر، يتمثل في الخراب وما يمكن أن يسوقه من همٍّ وويلٍ وقتل وتشريد، ليبرز في النهاية انتصار الوجه الآخر على الذي سبقه.
وللشاعر الفلسطيني أيضا "محمود درويش" قصيدة بعنوان"أحمد الزعتر" حيث سنرى تشابك الرؤيا من خلال الصراع بين قوتين غير متكافئتين، قوى الشر

(1) أحمد دحبور، ص 557

الأكثر عنفواناً والمتمثلة في القابع على الأرض، وأطلق رصاصتين على "أحمد الزعتر" فارتوت الأرض من دمه، فأنبتت حنونا وهو القوة الثانية، فيقول :
ليدَيْن من حَجَرٍ وزعتر
هذا النشيد - لأحمد المنسي بين فراشتين
مضت الغيوم وشردتني
ورمت معاطفها الجبال وخبأتني
نازلاً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل
البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن
الرماد وكنت وحدي
ثم وحدي
آه يا وحدي؟ وأحمد
كان اغتراب البحر بين رصاصتين
مخيماً ينمو، وينجب زعتراً ومقاتلين
وساعداً يشتد في النسيان
ذاكرة تجئ من القطارات التي تمضي
وأرصفة بلا مستقبلين وياسمين
كان اكتشاف الذات في العربات
أو في المشهد البحري
في ليل الزنازين الشقّيّة
في العلاقات السريعة
والسؤال عن الحقيقة
كل من يقرأ القصيدة التي تقع في أربع عشرة صفحة بتأن،ٍ يشعر بتجاذب القوتين نحو بعضهما البعض الآخر، ومدى التوفيق الذي تملّك الشاعر عندما كان يتنقل من صورة إلى أخرى، فقد تعامل الشاعر مع معطيات الأمور بما يتناسب والتجربة الشعرية التي كان لها تأثير في الألفاظ والعبارات والصور والأخيلة، وقد أبرز الشاعر القوتين المتجاذبتين بصورة رائعة، إلى أن وصل في نهاية النص إلى إبراز الوجه الحضاري للخير من خلال توالي الأحداث، فيقول:
يا أحمد المجهول!
كيف سكنتنا عشرون عاما واختفيت
وظل وجهك غامضا مثل الظهيرة
يا أحمد السريّ مثل النار والغابات
أشهرْ وجهك الشعبيَّ فينا
واقرأ وصيتك الأخيرة؟
يا أيها المتفرجون في الصمت! تناثروا في الصمت
وابتعدوا قليلا عنه كي تجدوه فيكم
حنطة ويدين عاريتين
وابتعدوا قليلا عنه كي يتلو وصيَّته
على الموتى إذا ماتوا
وكي يرمي ملامحه
على الأحياء إن عاشوا!
تلك صورة من صور الدراما الحديثة في الشعر الفلسطيني المعاصر، تنم عي وعي كامل بمعطيات الأدب، ووعي بتفاعل وتنامي الأدب بما يتناسب وروح العصر، ولقد أجاد الشعراء من خلال عطائهم الشعري الكثير، وإن أفسحنا المجال لأنفسنا فربما لا يكفينا هذا الكتاب للتعبير عن موضوع واحد، وما وقفنا عليه، ما هو إلا شذرات من دواوين الشعراء، يمكن للباحثين الوقوف عليها إن أرادوا الدراسة في هذا الميدان.
 







الفصل الثالث : البناء المسرحي في قصيدة الشعر الفلسطيني المعاصر

 
المسرحية من الفنون الأدبية القديمة التي دخلها التطور، كما حدث بالنسبة للقصيدة من تطور في الشكل والمضمـــون، وخـــلال هـــذا التطــور كانـت المسـرحية -ومازالت- الفن الراقي الذي يتلمس في المُشاهد ردود الفعل الفوري ودون مواربة، وكما هو معروف أيضاً، فإن المسرحية هي أقرب الفنون إلى الشعر، حيث كان هناك ترابطاً وثيقاً بينهما، ولكن مع مرور الزمن أصبح كل واحد منهما فناً مستقلاً بذاته، وبقيا من أرقى الفنون الأدبية على الإطلاق والمسرح كما هو معروف، يحتاج إلى شخصيات وأصوات والكورس، وتكون مستمدة من الواقع الذي يعيشه المتلقي حتى يستطيع استيعاب المضمون، وإلا فإن الجمهور لا يُقبل على عملٍ لا يتناسب مع طبيعته والأحداث التي تقع بين فترة وأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هل استطاع الشاعر الفلسطيني أن يوظف تكنيكات المسرحية في القصيدة الشعرية المعاصرة؟ والجواب، إن معظم الشعراء حاولوا ونجحوا وكان لهذه المحاولات أثر في جماليات القصيدة الفلسطينية المعاصرة من حيث الشكل والمضمون، فهذا النوع من القصائد يمثل كَما قلنا سابقا أبعاداً نفسية معينة من خلال رؤية شعورية موضوعية وواقعية، بوسائل شعرية أساسية في العمل الشعري، وهي الموسيقى بكل أبعادها ومقايسها، ومن هنا سنلاحظ كيف يستطيع الشاعر أن ينمو بألفاظه وقصيدته إلى درجة من النضج الفني بما يتناسب والفكرة والحدث، ودون أن يؤثر في كينونة الموسيقى الشعرية ، اللهم التنويع الذي يتطلبه الموقف الشعوري كما حدث عند بعض الشعراء عندما تناولنا السطر الشعري والجملة الشعرية والقافية.
وتعدد الأشخاص في المسرح أحد الضرورات من أجل إنجاح العمل المسرحي، وبدونه ربما يخل بالمعنى الشامل للمسرح، وكتطبيق على ماقدمنا نقف أمام إحدى القصائد للشاعر" سميح القاسم " بعنوان" في ذكرى المعتصم " حيث نرى في الأشخاص نماذج مختلفة تعبر عن أبعاد ورؤى فكرية معينة، وهذه الشخصيات نرى أنها رموز من استخدام الشاعر، ونظرا لطولها، فسنحاول أن نقف على أساسيات القصيدة لإبراز البناء المسرحي قدر المستطاع، فمثلا شخصية"المبشِّر" رمز للتحدي من خلال المواجهة، وهذا هو الفصل الأول من فصولها، حيث يقول:
إذا حدثت يا هذا فبشر قاتلاًً بالقتل!
وبشر سارقاً أرض الجياعِ وقمحـَهم.. بالمحْل
وبشِّر هاتك الأعراض.. بالعار
وبشّر مُلحداً بالشمس.. أن سيؤول للنار
وبشّر قاهر الأيتام..بالذلِّ
وبشِّر من يغل الحر بالغَلِّ
وقل للناس..قل للناس، إن الليل لا يبقى
وقل للبحر إن هناك من يأسى على الغرقى
وقل للعقل إن هناك من يهزأ بالحمقى
وقل لنبوخذ المأفون
إن الحرَّ لا يستمرئ الرّقا (1)

ويتابع الشاعر في إبراز الصورة بشكلها الطبيعي من خلال رؤية واقعية مستمدة من البيئة التي يعيشها الشاعر والمتلقي على السواء، وموضحاً أن مَن يظن أنه قتل وسرق، وقهر الأيتام سيُترك، بل نقول له ما جاء في السطور الشعرية السابقة.
والملاحظ  هنا أن نبرة الكلام عالية، من خلال الألفاظ ودلالتها، في التعبير عن حالته النفسية، بعكس الشخصية الثانية والمتمثلة في الزوجة، حيث نجد انسياب

(1) سميح القاسم، ص 586

الألفاظ، وهذا المقام يتناسب والشخصية بكل أبعادها، من حيث وضوح الفكرة، وارتباطها بما سبق، مع انسياب الألفاظ دون حاجة إلى نبرة عالية، فماذا تقول الزوجة، أو الشاعر في هذا الموقف:
دفعت مآثري مهرا !
وحطمت الصخور الصمَّ كي أبني لها قصرا
ومن صحرائي الكبرى
خلقت لحلوة الحلوات، ألف حديقة خضرا
وفجرت العيون الزرق في البيداء
ودجنت الجبال الشم والأنواء
وروضت الرمال على هوى الأزهار والأنداء
وعودت السواقي المـُوجَ ألاّ تؤذيَ العطرا
ولم أسرج جياد الغزو يا "بابل"
ولم أخدعك لم أغدرك يا "بابل"
ويتابع الشاعر في إبراز شخصية الزوجة من خلال الأفكار التي تتوالى في القصيدة فيقول:
وأن مشيئة الإنسان لا تذوي..ولا تهرم
وإني أكره الأخرى
وأعشق، أعشق الدنيا
وأني شئت أن أحيا‍ .. وأن أحيا
وتتوالى الشخصيات في هذه القصيدة، محاولين أن نترسم الصورة المسرحية في هذه القصيدة، وهنا تبرز صورة أخرى وهي صورة رمزية، وضع الشاعر لها عنواناً باسم "الضوء"، فماذا يقول فيها:
معي أنت
معي في القلب، في العينين، في الصوت
معي من رعشة الميل.. حتى رعشة الموت
معي أنتِ،
وهكذا تتوالى الصورة بشكلها المميز وبأسلوبها الخاص، ليصل إلى نهاية الشخصية من خلال الأتي:
سوف يظل مصباحي بلا زيت
فضوء العمر، أن تبقى معي أنتِ..
معي أنتِ..
ويوالي الشاعر في عرض الشخصيات، واحدة تلو الأخرى، مانحاً كل شخصية ما يناسبها من حيث الأفكار، والتعابير الموحية، وما يخدم العمل بأبعاده المختلفة، فيصل إلى عنوان رمزي "مدينة الردة" ثم تخرج لنا شخصية أخرى بعنوان "آخر الجرحى" إلى أن يصل الشاعر إلى شخصية يوسف "المستمدة من التاريخ الإسلامي، عبر ما حدث ليوسف عليه السلام مع أخوته، ووالده يعقوب عليهما السلام، ثم يُبرز بعد ذلك الفصل الثاني من القصيدة الممسرحة، بعنوان "الصعود الثاني"، حيث يوجه الكلام للحاقدين ولأصدقاء السوء وللشامتين فيقول لهم:



فإن طريقنا يمتد
على الألغام والأشلاء والأنقاض والصبّار
يظل طريقنا يمتد..
إلى أروع في الغد!!
ويقترب الشاعر من الفصل الأخير من المسرحية، ليضع لها عنواناً مناسباً، "الوحدة الكبرى" وما يعنيه هذا العنوان من دلالات وإيحاءات بعيدة، سواء كانت وطنية، أم قومية، وذلك من خلال الشخصيات السابقة، حيث أراد أن يجمعهم في بوتقة واحدة، وكأنه "الكورس" بالمفهوم المسرحي، فيطالب الشاعر بالوحدة الكبرى، لأنها السبيل الوحيد إلى استنهاض الهمم البالية :
كفى لن نقبل العذر !
إذا لم تمطر الأحزان
إلى أن تُخصب الكثبان
ويؤتي التمرَ موفورا..
نخيل الوحدة الكبرى !
إلى أن يقول في الأسطر الأخيرة من لوحة"الكورس"
فمدوا الكف للكفِّ
وضموا الصفَّ للصفِّ
وشدّوا، أيها الأحباب
شدّوا الساق والساعد !
لنبني بيتنا المنشود..
بيت الوحدة الكبرى !!
ويصل الشاعر إلى نهاية النص من خلال ظهور شخصية المعتصم، وهي اللوحة الأساسية في القصيدة، أو القصيدة الممسرحة، فماذا يقول الشاعر في أسطرها ؟:
ونصرخ من قرار الليل
معتصماه! معتصماه
أتبصر فأسنا المكدود
يشج مغالق الأسداف، عن إشراقنا الموعود؟
وينقش في صخور الحزن
 لافتة من النار
تشير وراء سور الليل، والحرمان والعار!
إلى فردوسنا المفقود؟!
فوحّد خطونا في الدرب!
وشدّ القلب نحو القلب!
وعاهدنا على الصبر
وساندنا إلى النصر
أو القبر!!
فقد طالت سنون الجوع والفقر
وطالت لهفة الصحراء
للأنهار..والأشجار..والآلات..والأطفال
وطالت صرخة الأجيال للأجيال
معتصماه! معتصماه! معتصماه
وننتقل مع الشاعر سميح القاسم في قصيدة من نوع مختلف عن الأخرى، لكنها تدور حول نفس المعنى، لكن الشخصيات التي تكررت في القصيدة الأولى، أقل منها في هذه القصيدة، حيث تدور بين وجهين فقط، ويدور الحوار بينهما، فاستخدم الشاعر فيها لغة المسرحية، في رسم معالم النص الشعري، من خلال الحوار الداخلي، الذي يدور بين الشاعر وشخصية أخرى، فيقول في قصيدة "حوارية مع رجل يكرهني": (1)
- روما احترقت يا مجنون!
* روما أبقى من نيرون
- روما لن تفهم أشعارك
*روما تحفظها عن غيب
- روما ستقطع أوتارك
* ألحاني تصعد من قلبي
-في صوتك ذل التاريخ
* في صوتي غيظ الصاروخ
- الدرب طويل
* لن أتعب
- يا هوذا باعك
* لن أُصلبْ
- أجدادي احترقوا في " أشقتس "

(1) سميح القاسم، ص 556
* قلبي معهم..فانزع من جلدي الأسلاك!
- وجراح الأمس؟
*دعها وصمة عارٍ.. في وجه السفاح هناك!
-ماذا في كفك
* حفنة قمح
- ماذا في صدرك
*صورة جرح
- في وجهك لون البغض
* في وجهي لون الأرض
- فاسبك سيفك محراثا
* لم تترك لي من أرضي ميراثا
- يا مجرم!
* لم أسرق.. لم أقتل.. لم أظلم!
يا عربي.....!
يا هذا..يشفيك الرب
يا هذا جرب طعم الحب
يا هذا،
أفسح للشمس الدرب!
وقد حاول الشاعر من خلال الحوار الذي دار بينه وبين الشخص الأخر، أن يُسلط الضوء على مجريات أحداث لا أقوال قد وقعت، أو من الممكن أن تقع، أو بمعنى آخر، أن الشاعر استمد العناصر الأساسية من الواقع، فكثيرا ما يُطلب منا أن نتحول من حمل البندقية لزراعــــة الأرض، وهنا يأتي السؤال: أين الأرض


التي أزرعها؟ لقد سُرقت منا، ومن هنا وجب عليّ حمل السلاح، لكن دع الأرض لصاحبها، ولحظتها سأقضي كل وقتي بينها، أُنميها، وأبني بيتا، وهكذا استطاع الشاعر من خلال تداعيات المواقف داخل النفس الشعررية، أن يبرز الحوار بأسلوب مُتقن، وعلى درجة عالية من الإبداع الفني، وقدرة على تسلسل الأحداث، بحيث لم يدع مجال لتداخلات من الممكن أن تكون بين الأسطر الشعرية، وحتى تبرز الصورة بشكلها الواضح، فإن الشاعر اتخذ من الحوار علامة النجمة (*) أما الشخصية الأخرى فاتخذت علامة (-) حتى يتضح الفرق بين الشخصيتين.
وننتقل إلى صورة جديدة من صور المسرح، وهي من التيارات الجديدة، بالاعتماد على المساجلات والرسائل التوثيقية التي لها صفة الرسمية، وهو ما يُطلق عليه "المسرح التسجيلي" ولقد استطاع شعراء فلسطين أن يجسدوا هذا اللون بصورة تنم عن إبداع الشاعر، وموهبته العالية، وقدرته المعطاءة دائما، في تحويل الحوار النثري، في صورة شعرية مستلهمة من الواقع الذي يعيشه الفلسطيني داخل أرضه، وكم هي الوثائق التي صدرت بحق هذا الشعب؟، وسنحاول أن نقف على عدد من هذه القصائد على سبيل المثال لا الحصر عند الشاعرة فدوى طوقان.
ونقف هنا على قصيدة للشاعرة فدوى طوقان بعنوان "الفدائي والأرض"(1)وتدور
أحداثها بعد استشهاد المناضل "مازن أبو غزالة" بعد معركة حامية الوطيس مع الجيش الاسرائيلي، وقد وجدت في مفكرته مذكرة مكتوبة بخط يده يقول فيها" يا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) فدوى طوقان،ص487
 

أهلي، يا شعبي، يا رب، ماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟ أرجو ألا أكتب إلا رسالة الغد" وفي صفحــــة أخرى جملة لها دلالاتها يقول فيها "زغرد يا رصاص، واخرس يا قلم" فمن وحي هاتين الرسالتين سجّلت الشاعرة مشاعرها في هذه الرسالة التي اعتمدت على المساجلات التوثيقية، كما قلنا سابقاً:
أجلس كي أكتب، ماذا أكتب؟
ما جدوى القول؟
يا أهلي، يا بلدي، يا شعبي
ما أحقر أن أجلس كي أكتب
في هذا اليوم
هل أحمي أهلي بالكلمة؟
هل أُنقذ بلدي بالكلمة؟
كل الكلمات اليوم
ملحٌ لا يورق أو يزهر
في هذا الليل
-2-
في بهرة الذهول والضياع
أضاء قنديل إلهي حنايا قلبه
وشعّ في العينين وهج جمرتين
وأطبق المفكرة
وهبّ، مازن الفتى الشجاع
يحمل عبء حبِّه
وكل همّ أرضه وشعبه
وكل أشتات المنى المبعثرة.
وتوالي الشاعرة عرض صورتها من خلال ما سجّله "مازن أبو غزالة" الذي أضاء قنديلاً من خلال شهادته، فأقبل على الموت كما لو بُشِّر بالجنة، من أجل وطنه، وقد استطاعت الشاعرة أن تسجل الحوار الذي دار بين الأبن والأم، وخاصة عندما أراد الابن الذهاب إلى ميدان المعركة، فكانت الشاعرة أقرب ما تكون من الالتحام مع الشهيد والأم، من خلال الألفاظ الموحية والمعبرة عن العواطف المتلاحقة، التي يكسوها حُب الوطن :
يا ولدي
اذهب!
 وحوطته أمه بسورتي قرآن
اذهب!
 وحوطته باسم الله والفرقانْ
كان مازن الفتى الأمير سيد الفرسان
كان مجدها وكبرياءَها وكان
عطاءها الكبير للأوطان.
الصورة السابقة التي جاءت بها الشاعرة، مستوحاة من البيئة، مع إضفاءنوع من الأسلوب العاطفي على الصورة، حتى تمنحها قدرة على الإقناع، ولكن كان للفكر دور في بسط العاطفة، وجعلها أقرب إلى الاستيعاب، وكذلك خلق صور من صورة واقعية، وتجربة مستمدة من الحياة.
ولقد أضافت الشاعرة من خلال الأسطر التالية أبعاداً ذات دلالات وإيحاءات نابعة من عمق التلاحم بين كل شئ في القصيدة، فماذا تقول:
( ياولدي
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
من أجله منحتك
دمي وكل النبض
وكل ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي، يا غرسة كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب، فما أعزُّ منك يا
بُنيَّ إلا الأرض )
بتلك الكلمات ودعت الأم ابنها من أجل الأرض التي سُلبت ونُهبت ، وهكذا برزت جماليات النص الشعري من خلال تزاوج الكلمات، واستنادها إلى واقع مستمد من خلال وثيقة تركها " مازن أبو غزاله" قبل معركته مع العدو. ولكن هل وقفت القصيدة عند هذا الحد؟ إن من يرجع لأبياتها يقول: إن القصيدة ينقصها فقرة، أو لوحة ثالثة يتم بها إغلاق الستارة، فماذا قالت في الصورة الثالثة؟:
يا ألف هلا بالموت!
واحترق النجم الهاوي ومرقْ
عبر الربوات
برقا مشتعل الصوت
زارعاً الإشعاع الحيّ على -
الربوات
في أرض لن يقهرها الموت!
أبداً لن يقهرها الموتْ.
وننتقل إلى قصيدة أخرى بعنوان "كوابيس الليل والنهار" حيث قالت الشاعرة في الأسابيع التي تلت الحرب كانت الصحف والإذاعات الأجنبية المعادية تتحدث بتشفٍ وشماتة عن حرب حزيران، وكأنما نهاية الأمة العربية كانت منوطة بتلك النكسة "لقد اتخذت الشاعرة هذا الموقف التسجيلي الذي أثار فيها اشمئزازا لا حدّ له، ومن هنا بدأت قصيدتها:
يوم الإعصار الشيطاني طغى وامتد.
يوم الطوفان الأسود
لفظته سواحل همجية
للأرض الطيبة الخضراء
هتفوا، ومضت عبر الأجواء الغربية
تتعادى بالبشرى الأنباء:
هوت الشجرة!
والجزع الطود تحطّم لم تبق
الأنواء (1)
ولكن الوضع لن يبقى على ما هو عليه، لابد وأن يتغير، ولابد أن تقوم الشجرة ولو بعد حين، وهكذا جاءت اللوحة الثانية، من خلال الحوار الداخلي بين الشخصيات:
ـــــــــــــــــــــ
 (1) السابق،ص 478


ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان
ستنمو في الشمس وتخضر
وستورق ضحكات الشجرة
في وجه الشمس
وسيأتي الطير
لابد سيأتي الطير
سيأتي الطير
سيأتي الطير
وهنا يتم إغلاق الستارة بعد هذا التكرار الواجب في مثل هذه الحالة، ولو أن الشاعرة لم تأتي بهذا التكرار، فإن هذا سيكون من المآخذ التي يمكن أن تُؤخذ على الشاعرة.
وتطالعنا قصيدة أخرى للشاعرة بعنوان" كوابيس الليل والنهار "تقول الشاعرة:
في صحف القدس اليومية أرمي عينيّ
أقرأ خبراً كالأخبار
"بيت لحم -فوجئ الزارعون في
خربة بيت سكاريا بمجموعة من
الجرافات خرجت من مستعمرة كفار
عصيون وشرعت في قلع المزروعات
في أراضي تلك البلدة"
أقرأ شكوى مرفوعة
لوزير الحرب:
"إبراهيم عطا اللّه من بيت سكاريا
شمال كفار عصيون - قضاء بيت لحم.
الموضوع: مصادرة أراض زراعية تخصني"(1)
وهكذا تتابع الشاعرة قصيدتها من خلال صورة واقعية مستمدة من خلال الوثائق التسجيلة التي نشرتها صحيفة "القدس" اليومية، بأسلوب يعالج قضية من القضايا المعاصرة، وإبرازه بتكنيك المسرح التوثيقي، وهذا مما جعل للقصيدة جمالاً، وإبداعاً يضاف لإبداعات الشاعرة من خلال عطائها المتنامي.










(1)فدوى طوقان، ص 582
 







الفصل الرابع: أسلوب الرسائل في قصيدة الشعر الفلسطيني المعاصر

 
علاقة القصيدة بالرسالة علاقة قديمة جداً، ترجع إلى العصر الجاهلي، وما بعده من عصور، إلى أن وصلنا في هذا العصر، ورغم البعد الزمني، إلا أن الرسالة الشعرية لم تتغير، شكلاً ومضموناً، والرسالة كما هو معروف، فن أدبي مستقل بذاته له أهمية خاصة، يُبرز الكاتب من خلالها موهبته النثرية بأي نوع من أنواعها الأربعة المعاصرة والقديمة، فقد استعارت القصيدة من الرسالة منذ تلك المرحلة أسلوبها ، وأخذت بعض التكنيكات الخاصة بالرسالة، ولقد برز هذا الفن في الشعر الفلسطيني بشكل واضح من خلال رسائل الشعراء إلى بعضهم، وهو ما سنقف عليه طويلا في دواوينهم الشعرية، وهناك نوع من الرسائل الشعرية موجهة إلى القادة والزعماء، إما لرثاء أو مدح، وهناك نوع ثالث من الرسائل، موجه إلى الشهداء، لإبراز مكانته سواء السياسية أو العسكرية أو الأدبية، وكل نوع من هذه الرسائل، يتميز بمميزات خاصة، من حيث الأسلوب والفكرة المضمون، وهكذا لا يمكن لأي قارئ أن يشك في جمالية هذا العمل من حيث المضمون، لأن الشكل العام للقصيدة الجديدة لم يتغير، ولا يمكن أن يشك قارئ إلى أن هذا اللون من الرسائل الشعرية، فيه إبداع وتميّز لهؤلاء الشعراء.
والرسالة الأولى التي سنقف عليها، من فدوى طوقان إلى الأديب:كمال ناصر:
شَدْوك يأتينا حبيب الصدى
محلقاً رغم انغلاق الرحاب
يا طائري السجين فاصدح لنا
من خلف جدران الدجى والعذاب
غَنِّ، فقضبان الحديد التي
تسدُّ في وجهك رحب الفضاء
لن تحجب الغناء عن سمعنا
يا طائري
غنِّ، فدرب الرجاء
مازال يمتد مشع الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا (1)
والأديب كمال ناصر، واحد من الأدباء الفلسطينيين المرموقين، الذين قدموا أدباً راقياً ومتميزاً بمختلف اتجاهاته، لكن غلب عليه الاتجاه الوطني خاصة في قصائده، وإن كان النثر أكثر كتاباته، وهو واحد ممن عرف طريق السجن، وجلس في زنازين العذاب، خاصة عندما نظم للوطن، وها هي الشاعرة تناديه: يا طائري، اصدح فالسجن لن يمنع صوتك أن يصلنا، ولكن الأمر لا يقف عند تلك المعاني، فنجد الشاعرة تبرز كثيراً من المعاني السامية خلال الجزء التالي من القصيدة، لأنه أرجعها إلى ذكريات قديمة:
أرجعني شدوكَ يا طائري
إلى زمان طواه الزمان
إذ أنت طلق الخطو، طلق الجناح
أيام كانت ظلة الياسمين
تحضننا، وأنت تشدو لنا
شعر المنى والزهو والعنفوان
فتقرب النجوم من أرضنا
تصغي إلى اللحن ونصغي

(1) فدوى طوقان، ص 321

وكان
ملء أغانيك اخضرار المروج
ونضرة السفح، وبوح الأريج
وملئها كان هدير الرياح
وكان فيها من شموخ الجبال في وطني
وعزة لا تنال
إلا مع النصر وفوز الكفاح (1)
الشاعرة هنا تطلب منه أن يقول الشعر، لأن به كل ما نحتاجه، فتقول له: شعرك يرجعنا إلى الماضي، عندما كنت حراً، حيث العنفوان والمنى والأماني، والوطن والإباء، واخضرار المروج، بهذه العبارات وصفت الشاعرة شعر الشاعر ومن هنا تطالبه بالشدو رغم الظروف القاسية التي يمر بها، فهو الآن رهين السجن، فتناديه من نابلس وتقول له:
يا طائري السجين اصدح لنا
رغم هوان القيد رغم الظلام
فالأفق مازال غني المني
ينتظر الشمس وراء القتام
المجد للنور، فلا تبتئس
والنصر للحرية الرائعة

(1) فدوى طوقان، ص 321
وغدنا موطن أحلامنا
فلا تقل أحلامنا ضائعة
وترسم الشاعرة للشاعر معالم الأمل، وأن الفجر لآت لا محالة، مهما طالت غيبتك في غيابات الجب:
يا طائري، هناك درب الرجاء
هناك يمتد مشع الضياء
رغم انطباق الليل من حولنا.
وإذا كانت القصيدة تمثل واحدة من القصائد التي قِيلت في فترة عصيبة من فترات الحياة الخاصة بالنسبة للشاعرة، إلا أنها تنقلنا نقلة جمالية في عالم جديد من العطاء المتجدد للشعر الذي تكتنزه الذاكرة الأدبية الفلسطينية، ونستشف منه ارتباط التراث بالحاضر من خلال تلك القصيدة الإخوانية بمفهوم أنواع الرسائل، وإذا كانت الرسالة أبرزت معالم الجمال الشعري والشاعري، فإن قيمتها الأدبية تبرز بصورة أكثر وأجمل إن وجدت صدى، فشاعرنا أو أديبنا قام بالرد على رسالة الشاعرة بنفس الشكل، وعلى نفس البحر، كما هو الحال قديما، في الشعر الجاهلي، ومن هنا جاء حكمنا على الرسائل الشعرية، بارتباطها بالعصر الجاهلي، فماذا يقول "كمال ناصر" في معرض ردِّه على القصيدة:
لئن جاء شدوي حبيب الصدى
يوافيك رغم انغلاق الرحاب
فذاك لأني نشرت جناحي

(1) السابق ص325
يعانق في جناحيك العذاب
ويجمعني فيك سوء المصير
وما ضمنا في الأذى والمصاب
كما تحتويني بك الذكريات
وطيب الأماني، وبيض الرغاب
وإذا رجعنا إلى السطرين الأولين من رسالة الشاعرة، سنجد أن الشاعر اقتبس السطرين ووضعهما بداية لقصيدته، التي تبرز العلاقة التي تربط بينهما، فكلانا يجمعنا سوء المصير، رغم أن الماضي كان يحمل الأماني الحلوة والرغائب السعيدة، ويتابع الشاعر رسالته التي سنقف عليها كاملة، كما وقفنا  على رسالة الشاعرة، لنتعرف على الصورتين، فيقول وصلتني رسالتك، وكم أسعدتني الذكريات الحلوة التي عشناها من خلال الأحاديث التي يجن الليل علينا دون أن نشعر به:
أتاني الكتاب يا أخت روحي
فصافحت روحكِ بين الكتاب
وهشّت جراحي له واشتاقت
خيالات أمسي تخط الجواب
بلى أنني ذاكر، ذاكر
عشايا الإخاء، ولهو الصحاب
تظللنا ظلة الياسمين
جناحان من لذّة واكتئاب
ونسمر حتى يجن الحديث
على حُلم هاجع في السراب
رؤى الموت تنساب من حولنا
تصيح بنا في ربيع الشباب
فنأسى ونضحك من أمرنا
وبين المآقي دموع الدعاب
ويتابع الشاعر رسالته بأسلوب متميز، خاصة وأن الرسالة إلى شاعرة، وبالتالي تحتاج إلى أسلوب خاص، خاصة وأن رسالتها تعبر عن نفس المشاعر ، وكأني بالشاعر عندما يرد على كل سطر شعري من أسطر رسالتها، فالشاعرة تطالبه بالشدو، وأن يكون قوياً، فيقول لها:
كبير على الذل لا أرتضيه
ولي موطئ خالد في السحاب
الشاعرة تقول له: تذكر الماضي الجميل، فيقول لها ما تناولناه في الأسطر السابقة، وتطالبه أن يكون عالي الهمة، فيقول لها:
أنا مثلما شئت أن أكون
تقبلني الشمس رغم الضباب
ولي وطيد أمل أن تنجلي الغمة كما تقولين، فيرد عليها بقوله:
غدا ينجلي الليل عن روضنا
مهيض الجناح حسير الحجاب
ويرد الشاعر على الشاعرة في نهاية رسالته بقوله:
لئن جاء شدوي حبيب الصدى
يوافيك رغم انغلاق الرحاب
فلابد من عودتي للحياة
ولابد لي في العلى من الإياب
إذا هتف الشعب يوما بروحي
أطلت له من حنايا التراب!
هذا نموذج من فن الرسائل الشعرية، وهو نوع من الرسائل الإخوانية، وكم هي كثيرة في أدبنا العربي، وكم هي كثيرة أيضا في أدبنا المعاصر، وكم يُظهر كل من المرسل والمرسَل إليه جمالاً وإبداعاً في إخراج الرسالة الشعرية بأسلوب متجانس، أو بمعنى آخر بأسلوب متقارب، حتى أن البعض يستخدم نفس البحر الشعري الذي يستخدمه الـمُرسِل، وهنا من علامات الإبداع الفني المتعلق بالموسيقى الداخلية والخارجية، ومن جماليات النص الشعري..
وفي عام 1968 التقى شعراء الأرض المحتلة مع بعضهم البعض، أي شعراء  1948، وشعراء 1967  وإن كنت من الرافضين لهذا التفريق، لكن رأينا أن هؤلاء الشعراء ما جمعهم الشعر فقط، بل بالإضافة لذلك، الوطن الواحد رغم ما حدث من تفريق، فهذا توفيق زياد، وسميح القاسم، من جهة، وهذا محمود درويش، وفدوى طوقان من جهة أخرى، فقالت الشاعرة فدوى طوقان بمناسبة أول لقاء بينهما، على هامش أحد المنتديات الأدبية في فلسطين، وعلى شاطئ حيفا كان اللقاء، بعد عقدين من الهجر وعدم التواصل، فتقول في قصيدتها التي نظمتها خصيصاً لهذا الموقف بعنوان” لن أبكي" مهداة إلى شعراء الأرض المحتلة:
على أبواب  يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور
بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين: يا  عينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعي من بناها الدار
وأن القلب منسحقا
وقال القلب: ما فعلت؟
بك الأيام يا دار؟
وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي، هل
جاءتك أخبار؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغد الآتي
فأين الحلم والآتي وأين همو
وأين همو؟
وتتابع الشاعرة رسالتها الشعرية لهم، وتقول لهم :لن أبكي، لأنني ألتقيكم اليوم على أرض فلسطين، آخذ منكم يا مصابيح الدجى من زيتكم قطرة لمصباحي، وأنني أمد يدي إلى أياديكم، وأرفع جبهتي للشمس، وأقول:
وها أنا أحبائي
إلى يدكم أمد يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إلى الشمس
وها أنتم كصخر جبالنا قوّة
كزهر بلادنا الحلوة
فكيف الجرح يسحقني؟
وكيف أمامكم أبكي؟
يمينا، بعد هذا اليوم لن أبكي!
المدقق في ألفاظ القصيدة الرسالة، يشعر بأنه يرتقي جبلاً كلما ارتقى من سطر إلى آخر، والسبب كما نعلم، أن الشاعرة هنا تخاطب شعراء الأرض المحتلة، فلابد وأن تكون نبرة الشعر بهذه الصفة، وقد رأينا كيف استطاعت الشاعرة أن تبرز أحاسيسها، ومشاعرها، التي طغت على الفكرة قليلا، لتعبر عما يجول داخلها، ولكن الشاعرة في الأسطر التالية، أرادت أن تتعامل مع الموضوع بأسلوب أكثر واقعية، فتقول في إتمام رسالتها:
أحبائي حصان الشعب جاوز -
كبوة الأمس
وهبَّ الشهر منتفضا وراء النهر
إلى أن تختم رسالتها الشعرية، بكلمات فيها الثبات والتحدي:
أحبائي مصابيح الدجى، يا إخوتي
في الجرح
ويا سِرَّ الخميلة
يموت هنا ليعطينا
ويعطينا
ويعطينا
على طرقاتكم أمضي
وأزرع مثلكم قدمي في وطني
وفي أرضي
وأزرع مثلكم عينيّ
في درب السنيّ والشمسْ (1)
من خلال استقرائنا المتأني للرسالة الشعرية، نجد أن الشاعرة حافظت على النمط الموضوعي للرسالة المكونة من مقدمة وعرض وخاتمة، وهذا ما جاءت به في قصيدتها، والدارس لها يمكن أن يصنفها على ذلك الأساس.
وجاء الرد من الشاعر "محمود درويش" إلى "فدوى طوقان"، كأنه رصاصات في ميدان المعركة، رباعيات مكوّنة من اثنتين وعشرين رباعية، يقول لها في مقدمة الرسالة رداً على مقدمتها التي تطلب فيها أن نتذكر الماضي:
نحن في حِلَّ من التذكار
فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها،
لا تقولي!
نحن في لحم بلادي.. هي فينا!

(1) السابق، ص 511
ثم ينتقل إلى الرباعية الثانية، فيقول لها، إننا نقاتل منذ زمن بعيد، من خلال قصائدنا التي يمتزج فيها الدم برائحة الوطن وترابه:
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا، لم يتفتت حبنا بين

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد