مقالات

رسالة (يونس) أيقظتني

رسالة (يونس) أيقظتني   ..د. يحيى الاغا

 

هو العمر يا ( يونس) محطات بين الأعوام والسنين
تلقيت يوم 25/4 رسالة من أخي العزيز/ يونس الأغا ( جسورة) أيقظتني على حقيقة عمر انقضى، وكأنه يذكرني  بربيع من العمر قادم، وخريف ممزوج بالربيع قد انقضى، فإذا بي أستلهم من عبير ربيع عباراته، أبجدية في سطور علّها  ترقى لبليغ معانيه،  فماذا كتبت؟ سيتم نشرها بعد موافقة مرسلها.

صدقت والله، فأبجدية الحياة يا " يونس" أصبحت محطات تُحسب بالدقائق والثواني، يجمعنا البحر  لسويعات بهمسات موج قادمة من شاطئ الأوطان، نقرأ أحلاماً، فتفتح في الجسد المثقل بهموم الزمن كوة من الأمل  والرجاء، علنا نخفف عن أنفسنا غربة الأرواح، أو نرسل عبر موجات ناعسة، قبلات تلامس وجنات الشاطئ الحاني في فلسطين، أو نلتقي مع ذكريات الماضي والحاضر، بحديث بين شيب وشبّان، ثمّ ينقلنا القمر لثقافات الروح والجسد، ثمّ يضاء المكان بأنجم نهتدي بها على طيب من طعام يحضره الكرام، بين الفول والحمص والزيتون والزيت والبيض البلدي، والسلطة في زبيدة من الخان، مع عسل مصفى، هي أكرم عندنا  من مائدة امرأة العزيز، لطيب من حولها.
بدعوة من ضيف الجزيرة د/ أنور انتقلت ثقافة (خميس) البحر تحت قبة، جمعت حساناً من الشرق والغرب، رأيت فيها لأول مرّة، (زليخة يوسف)، حيث امتد جمالها ليفتن بنظرة مَنْ يظن نفسه معصوماً، فيلوّح بعمرة أو حجٍ، وما أجمل حجاً لغفران ذنبٍ، أو تنقية جسدٍ، أو حجب عين يعصمها من نورٍ يشع من ثوب كدت أحسبه " للحداد لباس "، فإذا به لفتنة العباد، فهل نقدر ألا نُفتن؟
يا يونس- وأنا معك -  لا تعتمر، ولا تحج، لأن الروح تحوم حول الجمال المستمد من الوطن، فما بالك إذا كان جمال الوطن أصبح بين يديك، فهل يلومنا أحد على ملامسته أو حتى تقبيله.
كلماتك يا أبا العبد ما أن امتزجت بوجيب القلب، حتى أيقظته الخمسون من رحلة الحياة، نصفها بين جمع وطرح، وراس وروس، ونصفها الأخر في غربة ما حلمنا بها، عرفنا الحبيب من الحبيب، والصديق من الصديق، ولكننا يا يونس الإباء، فقدنا فيها الأعزاء، والأقرباء، والأحباء عن بعدٍ وقرب، فلم نشيِّع إلا بدمع في انزواء، أو غصة قلبٍ في انكسارٍ.
وهناك يا يونس على البعد وطن فقدناه، فما ذنبه ؟ لماذا أهنّاه؟ ألذلك يستعصي علينا في غمرة العشق الأبدي له؟ أم يترفع كبرياء علينا؟ فيعزّ عليه أن نلثمه؟ فيرفض أن يمكننا منه كما لان لابن الخطاب؟ أم يرجئ نفسه لخير منّا؟ ربما! هل لأننا لا نستحقه!؟
ألا تعتقد أننا قطعنا الحبل، فعُذّب الوطن فينا، وعُذبنا به، وبدأنا نستجديه على عتبات البيت الأبيض، والإليزيه، والكرملن، فلا نسمع حتى صدى الصوت.
تتمدد السنوات يا يونس، بين شرق وغرب، ويتمدد بنا العمر، نناجي الخليج الهادئ: متى تتمدد بنا إلى شواطئ البحر الهائج؟  أعندما تسمو النفس، وتصفو القلوب، وتتعلق الأفئدة بحبل السماء ، أم عندما نفتح نوافذ الحب السرمدي، فنقترب من ميراث الخاتم في أولى القبلتين، أم كلاهما معاً.
بالأمس أخبرتني يا كرام الرجال(يا يونس) أن عمري الآن خمسون عاما، فقلت : أتمنى، فمنذ ألقتني الأم الرؤوم إلى الحياة، دثرتني بحنان لم يزل يناجيني كلما شَعَرَتْ هي بأعباء على جسدي، فأغفو بين ثنايا أضلعها الحانية، لتغسلني بينبوع من زمزم عينيها، فتنقيني من أدران الحياة،  وعوالق الهموم، ثم تطبع قبلة النجاة على جبهة ما خضعت إلا لله،  لتردّ عني حيرتي، وتحمل عني أنواء الحياة، ورويدا رويدا أنسلّ بحبٍ من بين جسدها، لتسلمني لمن هو معها في الجنان متقابلين بإذن الله،  إنه ينبوع الطهر الجسدي والروحي، لأرتشف من ينبوعه رشفة الأمان، فأجدد  معه خلق الكرماء، وتواضع العلماء، وكياسة الحكماء، ومنطق العقلاء،  الذي غذّانا به طيلة نصف قرن هي سنوات عشتها دونه، وأعوام في كنفه.
لم أفاجأ برسالتك أبا العبد، لكنني فوجئت بقطار العمر ينزوي بين أشعة شمس فضية تنسل بين أجنحة الكونن واصفرار لونها آخر النهار، فأغدوا بين شدٍ وجذبٍ، في رحلة العمر المحدد، علني أسمو على صغائر الآثام، واترفع عن ضغائن الأحقاد.
نعم، نعم، هي الخمسون التي أيقظتني من غفلة الحياة، عشناها، وما زلنا، فهل أضعناها، أم أضاعتنا في متاهات الحياة؟
هي الخمسون يا يونس مرتحلاً من وطنٍ لوطنِ، جمعت فيها الحسان من الصحبة والبنين، ولكن، ماذا للصحبة في غدٍ نجهله ونقرأ صفحاته السود الآن؟
هي الخمسون جرحاً يا أبا العبد أحملها في الجسد المطعون كلما أشرقت شمس الصباح على وطن مكبل بقيود الظلم الأرضي، موسوم بشهادات وتواقيع عالم أبتر الوجدان والفكر.
ستنجلي الغمة يا يونس، وستنو الشجرة، وتورق الحديقة، وتتقتح براعم الأمل على غدٍ مشرق يُنار بنور يزهو بأجياله، ومستقبل يفتح نوافذ النجاة للشعب الذي يتوق إلى الحرية والأمل والدولة.
 

أخــــــــــوك أبو الشيخ

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد