مقالات

رسالة الى ايمان عبر غسان

 


رسالة إلى إيمان عبر غسّان
قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
صدق الله العظيم

أخي / غسّان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لو لم توجد الرسائل الإخوانية في العصر العباسي، لأوجدتها لقيمتها الإنسانية وما تحمل من معاني سامية تتصل بالعلاقات الأخوية المتصلة بالرسالة ومرسلها ومتلقيها.

أخي غسّان : رحم الله والديّ، فقبل أربعين عاماً ومع كل إجازة صيفية، كان الوالد يسلمنا إلى شيخين جليلين هما (الشيخ صلاح والشيخ حامد)، وكان آخر عهد بنا بهذا المسجد يوم 5/6/1967، هذا التاريخ الذي لن ينساه أحد.

وأذكر هذا اليوم كأنه الأمس القريب، حيث كنت أجلس أمام الشيخ ( حامد ) رحمه الله أتدارس معه سورة الحديد، وخلال ساعة واحدة حفظتها كاملة رغم طولها، وفجأة سمعنا أصواتاً قادمة من الشرق( بني سهيلا، وعبسان وخزاعة) كأنها الحرب، وخرجنا نهيم على وجوهنا حتى وصلنا إلى البيت القريب من المسجد، ليحتضننا ( البدروم) مع قرابة ثلاثين شخصاً هم دار مشيل فرنجية، وأحمد أبو نقيره،  مدّة ستة أيام لنخرج بعدها على أصوات لم ولن نألفها حتى قيام الساعة، فعرفنا أن اليهود قد احتلوا خان يونس، لتكون هي آخر ما احتله اليهود من الأراضي العربية التي احتلت في تلك الفترة.

ما زلت أذكر لحظة توزيع الجوائز على حفّاظ القرآن الكريم قبل عام من هذه الحرب، كما يُحتفل الآن بمثال  هذه المناسبة في أنحاء متفرقة من العالم ومنها فلسطين، وكنا نحن الأخوة الثلاثة ممن فازوا بالمسابقة، لكننا تقدمنا بقيمة الجوائز لشيخينا الجليلين، ومقدار كل جائزة (جنيهان مصريان)  ، وكان المبلغ أثمن من ملايين الدنيا في هذا العصر، لأنهما مرتبطان بالقرآن الكريم، وما زلت أعيش تلك اللحظة، عندما أعلن المذيع الداخلي للحفل، (ابناء الشيخ زكريا الأغا يتبرعون بقيمة جوائزهم لمدرسيهم)، وفي اليوم التالي قرأت الخبر في مجلة( نور اليقين) التي كانت تصدر عن الأوقاف بقطاع غزة.
أخي غسّان: ربما هناك أحداث كثيرة ذات أهمية كبيرة، لكن طواها الزمن لتصبح نسياً منسيا، أما ما يتصل بالقرآن الكريم فمازالت الذاكرة محتفظة بتلك اللحظات العظيمة رغم مرور عقود أربعة عليها، فهنيئاً لحافظ القرآن.
أما الشيخان فأقول لهما : رحمكما الله رحمة واسعة، وأسكنكما فسيح جناته، وأثابكما الله خيراً بقدر حروف القرآن التي حفظناها، وحفظها كل من تعلّم على يديكما.

ومنذ ذلك الزمن لم يضمنا مسجد لحفظ القرآن، وبقينا نحفظ ما هو مطلوب منّا في المدارس والجامعات، وما ألهمنا الله بحفظه، لكنني أعترف دون أخوايا بأنني أجلد نفسي كثيراً كلما أتلو القرآن بين الحين والحين، لأنني لم أحفظ منه الكثير.
ما أعظم ذلك اليوم، وما أبهجه، وما أجمله، وما أحلاه، لحظات امتزجت فيها الكثير من المعاني التي ستبقى محفورة في ذاكرة الزمن، أقولها وأكتبها، بل وأرويها كلما تتطلب الأمر، علّ الجيل الجديد الذي يمسك بزمام الكومبيوتر والتلفاز، أن يمسك بتلابيب الدين والقرآن، لأنه الأسمى والأوفى والأعظم عند الله، وأعتقد بأنك يا إيمان تعيشين هذه اللحظات التي عشتها مع فارق بين حفظنا لثلاثة أجزاء، وحفظك للقرآن كلّه.

يا إيمان أقول بأن الله ذكرك في كتابه الكريم( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) فما أعظم أن تتجلى أيات الله في إنسان يمشي على الأرض، يحمل قيم القرآن، ومنهاجه، ليكون لها وللآخرين نبراساً يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

إيمان أيتها الطالبة التي لن ينال منك حاسد ولا حسد، أهنئ والديك بك، وأهنئك بوالديك، فمنذ أن أذّن والدك في أذنك اليمنى، دعا ربه أن تكوني من حفظة القرآن الكريم، كيف لا وهو الذي ضمه الأزهر الشريف طالباً،  فاستجاب الله لدعائه، بعد أن أنار لك دروب الحياة، لتنهلي من ينابيع لن تنضب، ومن منهل عذب فرات ماؤه، وليكون لسانك دوماً به ذاكراً.
شرف حفظ القرآن الكريم ناله العديد من أبناء العائلة داخل الوطن وخارجه،  ولكنني أشعر بأنك الوحيدة التي نالت هذا الشرف رغم وجود العديد من أبناء الوطن.
شرف ما ناله قبلك إلا القليل، ولن يناله بعدك الكثير.

إيمان، لقد حزت شرفي الدنيا والأخرة بحفظك لكتاب الله، وتلك أسمى ما يتمناه المسلم في حياته.
لقد شرفك الله بحفظ كتابه المكنون، وشرفك بالانتماء إلى أبوين رعياك من أجل هذا اليوم، وعائلة  تفتخرين بها وبتراثها ورجالها، ونسائها.
وفقك الله لخير فلسطين والأمتين العربية والإسلامية، وعائلتك الصغيرة والكبيرة.
بارك الله فيمن حفظ القرآن، وبارك الله في إيمان يا غسان، وجعلها قرآناً تمشي على الأرض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أخوك
 يحيى زكريا الأغا

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد