متفرقات

بيت جدي-قصة قصيرة- بقلم إياد أبوشقرة

 

بيت جدي بقلم- إياد ابوشقرة
 

 في تجاعيد وجه جدتي ستقف على منعطفات التاريخ وسترى الحضارة تتجسد في وشم ارتسم بين عينيها وستشم عبق الأرض المحتلة في ملامح ثوبها المطرز , , أما جدي فقد انحنى ظهره وتقوس وتحدب ولكنه أبى فسند قامته على عكازا , , وتراه تحت زيتونة يغرق في التفكير ويده ترتجف بسيجارة الدخان العربي وعينه يقظة تنظر يمينا وشمالا وكأنه يبحث عن المفقود .
وهناك في حاكورة البيت الكرميدي ترى لون الأرض بني واخضر ودجاجات وديك وبقرة تمدنا بالحليب وكلب يحرص فتشعر بأنك ملكت الدنيا . وعندما يأتي وقت الظهيرة ترى جدي حطابا يوقد نارا بجوار جدتي فتأخذك رائحة خبز الطابون إلى الماضي الجميل وينادي علينا لنأكل معه سلطة صنعها بيديه فنركض بسرعة لطيب مذاقها والله لو أكلتها لشعرت بقيمة الأرض .
ومن بعيد تسمع صوت عذب ينادي للصلاة من مئذنة شامخة لم تهزها عواصف الزمان فيهرول جدي بسرواله التاريخي ليتوضأ من بئر الماء الذي حفرناه منذ سنين . وننتظره حتى يعود فنراه من بعيد مبتسما فنلتف حوله فيخرج من تحت حزامه كيسا نسجته أمي ليعطينا مما تيسر معه ثم يذهب للديوان الذي هو عاصمة قريتنا وهو هيئة القضاء العليا وهو بيت الحكم .
وقريتنا سورها خضار الأرض الذي خط حدودها وكلنا جنودها وقريتنا تكرم ضيوفها وتسل في وجه الأعادي سيوفها . وبساتين قريتنا لوحة فنية نسقها الأجداد بعرق الأجساد وفي قريتنا تلامس فصول السنة الأربعة وترى الشمس تلتقي القمر لحظة المغيب وفي قريتنا عطار يداوي الناس كلما اقتربت أكثر من دكانه كلما بدأت تتماثل للشفاء من رائحة الطيب المنبعثة من المكان .
تعلمنا في قريتنا السنة والفرض وتعلمنا حب الأرض وصون العرض. وأخيرا تعاقبت الأجيال في قريتنا وما ضاقت بهم وسعتهم جميعا في بطنها وفوق ظهرها .

 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. إياد عبدالرحمن يوسف أبوشقرة

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد