مقالات

مدن وقرى فلسطينية دمرها الاحتلال- الجزء الخامس- بقلم محمد سالم علي الأغا



كتب : محمد سالم الأغا *

آن الأوان لنا كشعب فلسطيني أن نضمد جراح وطننا الفلسطيني الذي دمره الاحتلال ، آن الأوان أن نُضمد جراح شعبنا الذي يئن ويعاني من وطأة وسطوة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، آن الأوان أن نلم ونجمع، شملنا الذي مزقه الانقسام البغيض، آن الأوان أن نجتمع علي قلب رجل واحد لنعيد لوطننا الفلسطيني الحياة، لنعيش فيه بعزة وإباء ، آن الأوان أن ننقذ أقصانا من أنياب الذئاب حتى نأتيه وتأتيه معنا جموع المسلمين من كل باب، حتى نصلي معكم ومعهم فيه لله الواحد الوهاب، ونردد معاً قول الحق :" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا", وقوله عز وجل : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، لعلنا نفوز برحمة من الله نطمع أن يدخلنا بها الجنة، مع شفيع الأمة ونبي الرحمة محمد بن عبد الله ، صلي الله عليه وسلم، فالله تبارك وتعالي ينادينا من عليائه بتوحيد الصف، وإصلاح ذات البين وإشاعة التفاهم والسلام، ونبذ الفُرقة والانقسام.

ففلسطين يجب أن تكون لنا جميعاً، حضن وآمان، فعلي ترابها ولدنا جميعا، وفي ريفها ومدنها وقراها ترعرعنا، ومن ثمارها وغلالها وحبوبها تغذينا، وفيها تعلمنا أبجديات الحياة، فلا تجعلوا شيئاً يُشغلنا عن حب الوطن، لأن ذلك من دلائل الأيمان .


                       وطني لو شغلت بالخلد عنه            نازعتني إليه في الخلد نفسي

ولنبقي جميعاً متمسكون بثوابتنا الوطنية، وحقوقنا المشروعة، وليعلم القاصي والداني وكل هيئات الأمم المتحدة، وكل دول العالم وأولهم دولة الاحتلال الإسرائيلي، أنه لا يضيع حق ووراءه مطالب، فلا زالت كواشين أرضنا و وممتلكاتنا، ومفاتيح بيوتنا نتوارثها أمانات مستحقة للوفاء جيلاً بعد جيل رغم مرور السنين الماضية ،وسنعود لمدننا وقرانا الذي دمرها الغاصب المحتل ومنها .

أولاً : عــبــدس 


تقع قرية عبدس شمال شرق مدينة غزة، وتبعد عنها، 43 كم تقريباً، وعن مدينة المجدل
13 كم تقريباً، و عن قرية جولس 5 كم تقريباً، وعن قرية السوافير 3 كم تقريباً، وترتبط الأخيرتين بطريقين فرعيين يصلهما بطريق المجدل ـ المسميةـ بطريق القدس وهي معبدة ، ويروي التاريخ الفلسطيني أن قرية عبدس ، بُنيت علي أنقاض قرية " حداشة " الكنعانية، وترتفع قرابة 75 متراً عن سطح البحر، وهناك بعض الآثار الرومانية القديمة، مثل المقابر، ومغارات وصهاريج، و أساسات لبيوت قديمة، وخزانات مياه وآبار مياه قديمة، كانت تظهر في أطراف قرية عبدس، وأكد لي أحد الأخوة من أبناء عبدس : " أن أهل القرية وجدوا ضريحين أحدهما للشيخ سلامة، وثان للشيخ صبرة، أثناء استصلاحهم لأرضهم في الثلاثينات من القرن الماضي .

ويروي التاريخ الفلسطيني أن العمران في قرية عبدس أمتد واتسعت مساحتها في السنوات الأخيرة من الانتداب البريطاني علي فلسطين، وكان بها مسجد وكتاب لتحفيظ القرآن الكريم، وكان أهلها يغرسون الأشجار المثمرة كالعنب والمشمش والبرتقال والزيتون، كما أهتم أهالي القرية بالتعليم فأنشئوا مدرسة مبنية من الطين، لتعليم القرآن واللغة العربية، والعلوم الأخرى، وكان المُعلم الشيخ مصطفي من قرية السوافير يتلقي أجره نظير تعليمه لأبناء القرية، من أولياء أمور تلامذته، وهو عبارة عن كمية من الحبوب مثل القمح والشعير.

وذكر لي الأخ الشيخ صالح أن أهل عبدس كلهم أساسهم راجل واحد أي عائلة واحدة، وجدهم جميعاً واحد، جاء من مدينة الخليل هو وزوجته، وسكن بها، وأنجب أبناءه، ولكنه أستدرك قائلاً : أن أهالي عبدس من أبناء حمد وحماد استضافوا بقريتهم عائلتين أحدهما من مدينة يافا، وهي عائلة هنية، والأخرى عائلة مصرية جاءت الي فلسطين تبحث عن رزقها في الثلاثينات من القرن الماضي، هي عائلة الفاضي، ونزحت إليهم عائلة ثالثة من قرية عراق سويدان المجاورة، هي عائلة عبد اللطيف.

ومن عائلات عبد س الكريمة ، آل شحاذة، آل عبد الرحمن، آل يوسف، آل جمعة، آل عبد الهادي، آل عبد المجيد ، آل محمد،  آل صافي، آل أبو الريش، آل أحمد ، آل موسي, والجدير ذكره في هذا المقال أن كل هذه العائلات الكريمة مرتبطون مع بعضهم البعض بروابط المصاهرة والقرابة .

ويروي التاريخ الفلسطيني أن قرية عبدس قاومت الغزو الصهيوني لفلسطين وصمدت في وجه المستوطنين الأوائل وكبدتهم خسائر فادحة، ومن الجدير ذكره أن أهالي عبدس ووجهائها استعانوا بالجيش المصري الشقيق عند مجيئه لنصرة شعبنا الفلسطيني 1948، وجاءهم قوة من الجيش المصري الشقيق تعدادها 350 جندي بقيادة النقيب رفعت، , و استعان المستوطنون الصهاينة بلواء جيفعاتي ودارت معارك حامية بين الجانبين حتي نفذت ذخيرة الجيش المصري واستشهد قائدهم وبعضاً من جنودهم، وتفرقت جموعهم وانسحبوا من عبدس وأنسحب معهم سكان قرية عبدس في حالة من الذعر والارتباك قبل، 22935 يوماً، ولتصبح قرية عبدس وما جاورها من قري مجاورة، خاوية من أهلها ليعيث جنود الاحتلال في منازلها بحثاً عن غنائم تركها أهلها وأصحابها علي أمل العودة لها ، لكن الجرافات الصهيونية أخذت بتغيير معالم القرية وسووها بالأرض .

والتحق أهالي عبدس بأهالي المدن والقري الفلسطينية برحلة طويلة، وقاسية ومريرة، ليحطوا رحالهم في قطاع غزة ويصبحوا كغيرهم ينتظرون فرج الله ، بحل قضيتهم الفلسطينية حلاً عادلاً، والتعويض لهم نفسياً ومادياً عن ممتلكاتهم الثابتة والمنقولة التي خسروها، وتلبية مطالبهم الشرعية بعودتهم الي ديارهم ، فلا زالت مفاتيح بيوتهم مُعلقة برقاب أهالي عبدس .

ويسرني أن أقتطف جزء من مذكرات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله والتي تحدث فيها عن مقاومة شعبنا الفلسطيني للهجمات الصهيونية 1948، أثناء مروره من القرية .



من مذكرات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله :



(( توجهت مع السرية الأولى إلى محلاتها عند تقاطع الطريق جولس - عبدس.. وكان الموقع مغمورا بالنيران من التباب غرب عبدس.. واتخذت السرية مواقعها تحت النيران.. واستترت مع عبد العزيز في حافة الطريق.. وكان الرصاص يتساقط حولنا.بعد أن استقرت السرية حوالي الساعة 600 في محلها ركبت حمالة وعدت إلى السرية الرابعة وقد تعطلت الحمالة.
ذهبت إلى السرية الرابعة وكان يطلق على مواقعها نيراناً أوتوماتيكية من ناحية " نقبا "
وكان الرصاص يمر فوق رؤوسنا.ووصل سامي يس إلى موقع السرية وطلب مني أن نذهب إلى السرية الأولى فذهبنا وكانت النيران قد تزايدت على مواقع السرية.وحاولنا معرفة مواقع العدو ولكنها كانت مختفية فاستترنا خلف إحدى الحمالات..ثم ركبت مع سامي حمالة وتوجهنا إلى المحلات التي يطلق علينا منها..
ولكن لم نتمكن من تمييز محلها.وعدنا ولكن لاحظت أن هناك دما يتساقط على القميص.. فسألت الجاويش عبد الحكيم الذي أخبرني أن هناك جرحا بسيطا في ذقني.. ثم قمت مع سامي للعودة فقام العدو بإطلاق نيران شديدة على الحمالة فشعرت أني أصبت في الصدر من الجهة اليسرى.
ونظرت فوجدت أن الدماء تبلل القميص حول الجيب الشمال وأن القميص به خرم متسع..وكان محل الإصابة يظهر في منتهي الخطورة.. فوق القلب.. فأخبرت سامي الذي أخذني إلى محطة الغيار الأمامية.وقد كان منظر الجرح يدعو إلى القلق ولكن عندما فحصه الطبيب قال انها شظية وليست رصاصة. ونقلت في الحال إلى مستشفى المجدل. ودخلت غرفة العمليات وبالفحص وُجدت بالجرح شظيتان صغيرتان أخرجهما الدكتور وخيط الجرح.وقد ارتفعت روحي المعنوية وحمدت الله فأول ما خطر على بالي عند الإصابة كان الأولاد وأمهم.. والحقيقة أنه عندما عرفت محل الإصابة فقدت الأمل في النجاة ولكن الله كريم ))
 

ثانياً : طــمــرة


منظر عام لمدينة طمرة


مدينة طمره مدينة فلسطينية تاريخية، وعريقة تقع في الجليل الغربي تبعد عن مدينة حيفا 20كــم ، وعن مدينة عـكـا 15 كم، بلغ عــدد ســكانها حسب آخـــر إحصــاء سنة2008،
( 35000 ألف نسمة )، وقد أنتزع أهلها لقب مدينة لقريتهم سنة 1995 من القرن الماضي، لأنهم حققوا لأنفسهم نجاحات في كل مناحي الحياة، فعندهم 11 مدرسة ابتدائية ، وثلاث مدارس إعدادية، وثانويتان ، ومدرسة للتأهيل المهني الصناعي، ومدرسة رياضية، ومدرسة زراعية ، وتوجد عندهم مدرسة فنية تُعلم الموسيقي والفولكلور الفلسطيني، كما يوجد في مدينة طمره العديد من المراكز التعليمية المنهجية، ومراكز للشبيبة للإثراء الثقافي ، ونظراً للإنجازات التي حققها أهالي طمره، فقد افتتحوا مركزاً رسمياً للتعليم العالي كفرع للجامعة المفتوحة، في مدرسة هشام أبو رومي الثانوية، بحضور جمهور كبير من أهالي المدينة ووجهائها، كما تتميز مدينة طمره بوجود مركز ثقافي باسم الشيخ زكي دياب، وهو من أبناء المدينة الذين أسهموا في تثبيت الهوية العربية الفلسطينية للمدينة، وهذا المركز يرعي معظم النشاطات الثقافية، وتقام فيه الندوات السياسية، والأدبية والشعرية، والاقتصادية، والعلمية والفنية.

وقد أثني أهل طمره علي مركز الشيخ زكي دياب وقال ألأخ صلاح دياب : لقد حقق المركز نجاحات هامة في عقد دورات للشباب والفتيات لتعليم اللغات الأجنبية، والفنون المختلفة ، وأضاف : أن المركز يستقبل الطلاب الموهوبين من مدينة طمره، وأبناء المدن و القري المجاورة، كابول - كفر ياسيف - الجديدة والمكر الشيخ دنون المزرعة وعكا، كذلك فان سكان المدينة أقاموا جاليري للفن التشكيلي وأصبحت إحدى أهم صالات العرض في الوسط العربي الفلسطيني ، وقد أكد لي الأخ أبو رياض حرص أهل طمره للحفاظ علي شعائرهم الدينية، و تراثهم الإسلامي وقيامهم ببناء المساجد وذكر منها مسجد القبة ، مسجد السلام، مسجد الدعوة، مسجد خلة الشريف، مسجد بلال بن رباح، مسجد الرحمة، مسجد معاذ بن جبل، مسجد التابعين، بالإضافة لمسجد طمره القديم، وأكد لي أنه تم مؤخراً افتتاح مستشفي الرحمة الأول في المدن والفري العربية، بجهود ذاتية عربية، وبإشراف الحركة الإسلامية برعاية الشيخ رائد صلاح جازاه الله كل خير، وجزي أهل طمره والقرى والمدن العربية كل خير، وأعانهم علي الصمود بوجه العدو الصهيوني .

وزائر هذه المدينة يشاهد بأم عينيه، ويشم رائحة الوطن الفلسطيني، ويلمس جد ونشاط الفلاح العربي الفلسطيني الذي يحمي السهول الخضراء الزاهية ، ويحافظ علي أشجار الزيتون الضاربة جذورها في تراب الجليل الفلسطيني، ولكن تبقي في القلب غُصة، وأنت تشاهد أيضاً بأم عينيك وتري، التمييز العنصري الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي الغاصبة والمحتلة أرضنا، ضد شعبنا صاحب الأرض الحقيقي ، وتحرمه من ترميم أثاره، ومواقعه التاريخية التي تذخر بها طمره، و كأنها قطعة من الجنة علي الأرض الفلسطينية .

وسنبقي نعتز ونفخر بأهلنا وشعبنا الفلسطيني البطل الذي بقي يكرس صموده فوق أرضه، في وجه عدوه الصهيوني، وسنبقي نحسن الظن بالله عز وجل أن يهيئ لشعبنا الفلسطيني من يأخذ بيده، ويعينه علي تحرير وطننا الغالي فلسطين، وسنظل نحلم بغد أفضل، نُعيد فيه حقوقنا المسلوبة، ونعود الي قرانا ومدننا التي أغتصبها الصهاينة، ونقيم دولتنا المستقلة ، وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله .

* باحث وكاتب وصحفي فلسطيني

اضغط هنا للتعرف على المرحوم أ. محمد سالم علي حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد