مقالات

القائد الشهيد زياد الحسيني.. أسطورة غزة- (إلى ابنتي الغالية كرامة الحسيني رمز الكرامة والنجابة)- نبيل الأغا- الدوحة



القائد الشهيد زياد الحسيني.. أسطورة غزة
"إلى ابنتي الغالية كرامة الحسيني رمز الكرامة والنجابة"

 

نبيل خالد الآغا – الدوحة - قطر

يزخر سفر الخالدين في فلسطين بأعداد وفيرة من الاسماء التي سطرت حضورها في مختلف مجالات الحياة، ويبرز امامنا الساعة القائد البطل الشهيد زياد الحسيني بن محمد محيي الدين باشا الحسيني قائد قوات التحرير الشعبية لقطاع غزة وشمال سيناء في عام 1970، وهو ينضوي تحت لواء عائلة الحسيني الفلسطينية العريقة، وصاحبة التاريخ النضالي المشرف في فلسطين، وتكفينا الاشارة العابرة لاستحضار اسماء السادة موسى كاظم باشا الحسيني رئيس بلدية القدس الذي استشهد في عام 1934 عن ثمانين سنة، وابنه الشهيد البطل عبدالقادر الحسيني رائد الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح الذي استشهد في معركة القسطل عام 1948 عن اربعين عاما ويعد الشهيد الاشهر في تاريخ فلسطين، وجده لأمه المرحوم الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين وزعيمها المجلى في العقد الاربعيني من القرن العشرين والمتوفى في عام 1974 عن 80 عاما وفي الجعبة العديد من الاسماء المبهرة لا مجال لحصرها الآن.

لقد استلهم الضابط الصنديد الشهيد زياد روح الكفاح والنضال من آبائه واجداده ومن قبلهم ابطال التاريخ العربي والاسلامي، وهو حفيد الشريف محيي الدين باشا الحسيني آخر نقباء الاشراف في غزة، ووالدته الفاضلة المناضلة المرحومة سعاد توفيق ابوالسعود التي اعتقلها الاسرائيليون وعذبوها في معتقل «أبوزنيبة في صحراء سيناء» بسبب مساندتها ودعمها لجهاد ابنها ورفاقه اثناء مقاومتهم للاحتلال، وبعد استشهاد زياد تم ابعادها قسرا لتلحق بذويها «عائلة ابوالسعود» احدى اعرق العائلات المقدسية, وأشهرهم المرحوم الشيخ طاهر ابوالسعود مفتي الشافعية بالقدس.
اذن، زياد سليل الاصالة والمكارم، ورغم ادراكه لذلك الا انه لم يركن الى الخمول والدعة، والنوم المبكر في احضان مقولة الكسالى والاتكاليين: «لقد كان ابي...!!» بل ادى بمروءة وشهامة ضريبة ذلك مرددا قول جدنا الشاعر المتوكل الليثي:
لَسنا وإن أحسابنا كَرُمَت يوما على الأحساب نَتّكل

انطلاقة البطل
شهدت غزة الباسلة ميلاد ابنها «زياد» في عام 1943 حيث أتم فيها دراسته الثانوية وحقق الله تعالى امله فالتحق بكلية ضباط احتياط في القاهرة عام 1964 وهو العام ذاته الذي شهد ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية وبعد مضي عامين تخرج برتبة ملازم ثان والتحق بقوات عين جالوت المنبثقة من جيش التحرير الفلسطيني بقيادة اللواء وجيه المدني. وعندما وقعت حرب يونيو حزيران عام 1967 شارك الضابط زياد في عملياتها بمدينة رفح، وبعد ان حققت اسرائيل نصرها الساحق على كافة الجبهات العربية وسقط قطاع غزة وصحراء سيناء في فك التنين الصهيوني التحق بقوات التحرير الشعبية وبدأ مع رفاقه تنظيم المقاومة وتشكيل الخلايا السرية وجمع السلاح وكان من بينهم الضابطان وليد ابوشعبان وحسين الخطيب.
وبعد مرور عدة اشهر توجه زملاؤه الضباط الى الاردن بناء على تعليمات فلسطينية عليا لكن زيادا تمترس في قلعته الغزية الباسلة وأقسم على الله ألا يبرحها إلا بظفره بإحدى الحسنيين: إما النصر وإما الشهادة.
كان التحدي بمقاومة الهولاكيين الجدد صعبا وخطيرا خاصة في تلك الآونة التي اسكر اسرائيل نصرها الرخيص الذي اذهلها قبل غيرها، لكن زيادا ورفاقه كانوا يؤمنون بأن لا ولادة بغير مخاض ولا مخاض بلا ألم , وان الصخور تسد الطريق امام الضعفاء والمتخاذلين بينما يرتكز عليها المؤمنون الاقوياء ليصلوا الى قمة الفوز والنجاح. وشمروا عن سواعدهم وعملوا على تعبئة المواطنين ايمانيا ومعنويا. وحفزوهم على العمل الجهادي بالتعاون مع مقاتلي جيش التحرير المدربين، وابتدأت المقاومة الشعبية نضالها الفعلي على الارض، وفي مطلع عام 1969 تولى الميجور زياد الحسيني منصب القائد العام لقوات التحرير الشعبية في قطاع غزة وشمال سيناء، فاتسعت بذلك دائرة مسؤولياته وتبدى نجاحه بمهاجمة الفدائيين للمواقع الاسرائيلية وقنص الجنود ودك حصونهم وتصدرت تلك العمليات العسكرية الناجحة وسائل الاعلام العربية والعالمية. ومن العسير علينا حصر تلك البطولات الفدائية، وحسبنا ان نشير الى بعضها التي شارك فيها زياد بنفسه عدا عن العمليات التي خطط لها وتم تنفيذها بنجاح.

*عملية مدرسة الزيتون
التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم اديا الى نجاح هذه العملية التي تم تنفيذها في احدى عشيات شهر اغسطس 1970،
الحارس المدني للمدرسة تم تكليفه تنظيميا بابلاغ قوات الاحتلال بوجود الميجور زياد ورفاقه داخل المدرسة، فانطلقت مجموعة عسكرية يهودية صوب المدرسة ممنية نفسها بصيد (المطلوب رقم واحد ) بيسر وسهولة وكان الكمين الجهادي كامل الجهوزية، وفي اللحظة المناسبة انقض الفدائيون على افراد وآليات المجموعة الاحتلالية وأسفرت النتيجة عن سقوط خمسة عشر قتيلا يهوديا هم العدد الاجمالي للمهاجمين، وأحدثت العملية دويا معنويا هائلا لدى سكان القطاع الغزي.

*عملية الشهيد أيوب فدعوس
استشهد هذا المجاهد المخضرم الذي شارك في حرب 1948 في احدى العمليات الجهادية التي جرت في مخيم جباليا، مخيم الصمود والتحدي، وحرصا من الجيش اليهودي على استتباب الامن اثناء تشييع الشهيد، اصدر اوامره الصارمة بعدم مشاركة الرجال في تشييع الجنازة، واقتصاره على العنصر النسائي فقط، واهتبل الفدائيون الفرصة وقرر زياد وعشرة من رفاقه التخفي بزي النساء ليتسنى لهم تنفيذ خطتهم وفي التوقيت المناسب اطلقوا نيرانهم على القوات اليهودية فقتلوا ثمانية منهم.

*عملية السرايا
كلمة السرايا في المعجم الغزي تعني المبنى العسكري الضخم الذي ابتناه الانجليز ابان انتدابهم على فلسطين «1920- 1948» وكان مقرا مركزيا لقواتهم في غزة، ثم اتخذه الحكام المصريون العسكريون المتعاقبون مقرا لهم منذ خضوع القطاع الغزي للادارة المصرية منذ عام 1948 وحتى انسحاب الجيش المصري من القطاع في عام 1967 .
وبناء على الخطة المرسومة لهذه العملية النوعية تمت تصفية القائد العام للقوات الإسرائيلية في غزة والذي أساء معاملة السكان اساءات مريرة وقاسية فدفع حياته ثمنا لغطرسته ووقاحته فارتاحت النفوس المكدودة لغيابه الأبدي. وقد شجع مقتله القيادة الشعبية الفلسطينية على تكرار العملية في أماكن مختلفة وشخوص يهودية متنفذة ومن ضمنهم المسؤول الموسادي الطاغية «أبو حاييم».
واختصارا نكتفي بتصريح لمجرم الحرب الإسرائيلي موشيه ديان وزير الحرب السابق في مذكراته ورد فيه : «ان الجيش الإسرائيلي كان يحكم غزة في النهار والميجور زياد الحسيني يحكمها في الليل» !
ولكي لا نغمط حقوق اخوانه الفدائيين الآخرين في تلك الفترة المورقة بالانتصارات نقول ان المجد لم يصنعه زياد بمفرده، بل هو نتاج عمل جماعي مشترك منسق ومنضبط.

الرحيل الغامض
الميجور زياد.. في رحاب الله
السؤال المباشر الذي يطفو على سطح كل فلسطيني غيور هو: كيف هوى العملاق الحسيني فجاة من قنة عليائه ؟!
وكيف ارتقى القائد سريعا سريعا الى معارج الشهادة؟!
لن نجوس في منعطفات ودهاليز الاقوال والاشاعات التي انطلقت عن كيفية استشهاده , لكن حسبنا الاشارة باختصار الى تعرضه لكمين غامض استهدف تغييبه عن الوعي ونقله خفية لاحد الاقبية حيث تعرض للتعذيب والتقييد والقتل , وزعمت اسرئيل يومئذ ان زيادا انتحر !!
وفي تعليقه على النبا قال الشهيد الرمز ياسر عرفات «عندما كنت أقول لزياد تعال معنا الى الأردن أو لبنان يرد قائلا: لن أخرج من غزة إلا محمولا على الأكتاف "شهيدا"، لن أترك هؤلاء الأبرياء (سكان القطاع)»؟

وهذه الشهادة العرفاتية تدحض افتراء الموساد جملة وتفصيلا فالأبطال المسلمون الحقيقيون لا ينتحرون بل يتمنون الشهادة في سبيل الله والمنتحرون كافرون ولو كانوا من أئمة المسلمين.

وهناك دحض وثائقي آخر للمزاعم الإسرائيلية فالتقرير الطبي أشار الى «ان سبب الوفاة رصاصة دخلت من أعلى الأذن اليمنى وخرجت من الشق الأيسر من الرأس» وكان زياد يعتمد أساساً على يده اليسرى "أشول" !.

أما الدحض الثالث فتمثل في شهادة والدته المرحومة سعاد ابو السعود التي اقتحمت مع مجموعة من الفلسطينيين مشرحة مستشفى الشفاء بغزة فشاهدوا آثار التعذيب في جسم زياد والحبال مشدودة على معصميه.. كما ان جميع فصائل المقاومة الفلسطينية نفت نبأ انتحاره وأثبتت اغتياله بحسب ما اوردته ( الموسوعة الحرة ويكبيديا ) . وبذلك سقطت فرية الموساد الملفقة التي استهدفت ازهاق روح هذا القائد الشهم، وهزّ صورته باعتباره أحد رموز النضال الشعبي الفلسطيني. ..
وهكذا أفل نجم زياد الوضاء عن مسرح الحياة وهو متربع في قمة شبابه (28 ربيعا) وقمة بطولاته وانتصاراته. وقد ربحت إسرائيل معركتها مع «الميجور زياد» أسطورة غزة في ذلك الوقت البعيد.. القريب.. ولا نامت أعين الجبناء.

أوسمة الفخار
عدة أوسمة نالها زياد في حياته وأخرى نالها بعد استشهاده , بيد ان التكريم المميز تمثل في حفل التابين الذي اقامه له الرئيس الراحل ياسر عرفات لدى وصوله الى قطاع غزة في العام 1995 اثر اتفاقية اوسلو. وكانت لمسة انسانية مقدرة من ابي عمار الشهيد الحي الذي يستحق من امته اغلى الاوسمة.
اما الوسام الاكبر فهو الوسام الالهي الاعظم الذي ظفر به كل الشهداء الابرار على امتداد تاريخنا الاسلامي المديد الذين ما انفكوا احياء عند ربهم يرزقون , مصداقا لقوله تعالى في سورة ال عمران : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ).

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. نبيل خالد نعمات خالد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد