مقالات

الإمام عبد الله عزام أمير الجهاد والاستشهاد- نبيل خالد الأغا - الدوحة


 

 

- الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر دون جهاد واهمون، ولا يدركون طبيعة هذا الدين
- يا علماء الإسلام: تقدموا لقيادة هذا الجيل الراجع إلى ربِّه، ولا تركنوا إلى الدنيا. وإياكم وموائد الطواغيت، فإنها تحول بينكم وبين قلوبكم
- يا معشر النساء: إياكم والترف، فهو عدو للجهاد، وتلف للنفوس، واحذرن الكماليات, ولتكن بيوتكن عرينا لأسود وليس مزرعة للدجاج!
- والله الذي لا إله غيره، ليست أفغانستان عندي أعزّ من فلسطين، ولكنها فرصة أغتنمها بعد أن طاردني الظالمون، فلماذا أنتم علينا عاتبون؟!

يعتبر العالم المجاهد الشهيد عبد الله يوسف عزام، أبرز النماذج الإسلامية النادرة في هذا الزمان، تجسّد في خلاياه العمق الإيماني بشقيه: النظري والعملي، وملأ عليه الجهاد في سبيل الله كل نفسه، واستغرق كل نشاطه، وكان همه وهاجسه الدائم، جاهد باللسان خطيباً، ومعلماً، ومحاضراً، وجاهد بالقلم كاتباً ومؤلفاً، وجاهد بالسلاح مقاتلاً في فلسطين وأفغانستان، ولم يكتف - وهو المدرس الجامعي، والدارس الشرعي، بتقرير أحكام الجهاد على كلية الشريعة في الجامعة، بل سعى لتبليغها للناس في المسجد، حيث يصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، إذا احتلت أرض إسلامية، أو هُدّدت بالاحتلال.


شهدت قرية «سيلة الحارثية» الواقعة شمالي مدينة جنين المناضلة، ميلاد ابنها البار في العام ١٩٤١م، وتتلمذ في عدة مدارس ومعاهد، وفي العام ١٩٦٦ نال شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيداً جداً في جامعة دمشق، ثم حصل على الماجستير بالانتساب في جامعة الأزهر.، وعندما سقطت الضفة الغربية في حمأة الاحتلال الصهيوني عام ١٩٦٧م، اشتعل لهيب الجهاد المقدس في عقله وقلبه.
ولم تحتمل نفسه الأبيه العيش في ظل حراب الاحتلال، فتوجه إلى الأردن والتحق مع بعض زملائه بحركة فتح بعد أن استقال من عمله، وخاض مع أخوانه المجاهدين عدة عمليات ضد العدو الصهيوني في منطقة الغور الشمالي. ومضت الأيام، وأوصدت الأبواب الجهادية إلى فلسطين، ولم تبق له حيلة، فعاد إلى منابر الدعوة والارشاد، وأضحى معيداً بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وتحلق حوله الشباب والشابات، وأحبوا فيه شعلته الإيمانية المتوقدة بوهج الإيمان الحقيقي تضيء أينما حلَّت، وتسطع أينما توجهت.

وكان عزام مربيا بسمته الإيماني الوضاء، وبخلقه الرفيع، وبورعه الذي يندر أن يعرف مثله في الوقت الراهن، وهو بكل هذه المناقب الرفيعة يستحضر أمامنا صور اسلافنا الميامين في صدر الإسلام.

وفي تلك الأثناء قررت الجامعة الأردنية ايفاده إلى جامعة الأزهر حيث نال فيها شهادة الدكتوراة في أصول الفقه عام ١٩٧٣م بمرتبة الشرف الأولى، فزادت الخصوبة، وتضاعف الإنتاج. وتبارك العطاء، وامتد نشاطه إلى مساجد الأردن عالماً وموجهاً وخطيباً وشاعراً يهز المشاعر، ويلين قساة القلوب.
وأعلن فيما بعد عن قيام ثورة المساجد في فلسطين المحتلة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والتي وصفها الشهيد يومئذ بأنها «نتاج عمل استمر لسنوات طويلة»، وألف بعد ذلك كتاب «حماس الجذور التاريخية والميثاق»، والذي برهن فيه أن الجهاد فرض عين في كل مكان من بلاد المسلمين يستطيع أن يصل إليه الإنسان، حيث لا فرق في نظره بين الجهاد في فلسطين والجهاد في أفغانستان.

 

رحلة الجهاد إلى أفغانستان



بعد تنفيذه لقرار فصله من الجامعة الأردنية في العام ١٩٨٠م، سافر الدكتور عزام إلى السعودية، وعمل مدرساً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ولم يمكث طويلاً حتى انتدب للتدريس في الجامعة الإسلامية العالمية بمدينة اسلام أباد الباكستانية، واغتبط لهذه المهمة لأنها ستقربه من ساحة الجهاد الأفغاني، وكانت مدينة بيشاور حينئذ منارة النور والنضال، وكان يؤمها يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، فتعلق قلبه بالشعب الأفغاني المجاهد. فقال عبارته المشهورة: «هؤلاء الذين كنت أبحث عنهم منذ زمن بعيد، هنا المحيا وهنا الممات»!
واتخذ قراره التاريخي الحاسم بالتفرغ الكامل لأداء فريضة الجهاد شبه الغائبة، فكان العالم الوحيد الذي أقدم على هذه الخطوة الجريئة، فاختلط بالأفغان، وأحبهم وأحبوه، لبس لباسهم، وعاش معيشتهم، وقاسمهم سراءهم وضراءهم، وبعد فترة وجيزة أصدر أول كتاب عن الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي بعنوان «آيات الرحمن في جهاد الأفغان» وأصدر بعده خمسة عشر كتاباً.
وانتخب الشيخ عبدالله عزام من قبل العرب المقيمين بالمدينة أميراً للأنصار، وصار يشرف بنفسه على تدريبهم بالنهار، وإمامتهم بصلاة الليل في الظلام والناس نيام. اضافة إلى دروسه الفقهية وامامته لصلاة الجمعة، وأصدر مجلة «الجهاد». وامتدت نشاطاته الدعوية إلى الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية وإسلامية، واشترك بنفسه في عدة معارك مباشرة ضد الغزاة السوفيت، وكان في مقدمة المشاركين معه الشهيدين أسامة بن لادن وتميم العدناني.
 

ربح البيع أبا محمد
وألقيت عليك محبتي


وأخيراً.. وبعد رحلة جهادية شاقة ومضنية، نال العالم المجاهد الدكتور عبدالله يوسف عزام أعلى مرتبة نضالية في الحياة بدرجة «شهيد»، وهي التي كرّس من أجلها حياته، ومنحها له، وزاد سبحانه في اكرامه فوهبها لولديه الشابين محمد وإبراهيم، ولكن كيف ظفروا بالشهادة؟
في صباح يوم الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) ١٩٨٩م، توجه إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة اصطحب معه في السيارة ابنه الأكبر محمد (٢٠ سنة) ونجله إبراهيم (١٥ سنة)، وقام محمد بالقيادة، وفي الطريق دوى انفجار شديد في السيارة فانشطرت إلى شطرين، وقضى الثلاثة نحبهم في الحال.
وفي رأي المؤرخ والباحث الآخ حسني ادهم جرار أن طبيعة الحادث تؤكد أن الشيخ عبدالله عزام كان مستهدفاً بشخصه، لا لشخصه، وإنما لكونه يمثل توجهاً جهادياً، وظاهرة إسلامية فذة مرفوضة تماماً من كافة القوى المعادية للإسلام في العالم.
ارتقى القدوة الحسنة إلى جنان ولسان حاله يقول: ما أجملنا شهداء، وما أقبحنا لاجئين.
ولانامت أعين الجبناء.


وصايا ثمينة


كان المجاهد عزام يتوقع استشهاده في كل لحظة، ولذلك كتب وصيته قبل ظفره بالجائزة الكبرى بثلاث سنوات، وهذه مختارات من وصيته التي أسماها: «وصية العبد الفقير إلى الله تعالى عبدالله يوسف عزام»: «في بيت القائد البطل جلال الدين حقاني وفي عصر الاثنين الثاني عشر من شعبان سنة ١٤٠٦هـ ، الموافق العشرين من ابريل سنة ١٩٨٦م أكتب هذه الكلمات:
لقد ملك حب الجهاد عليّ نفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي، إن سورة التوبة بآياتها المحكمة التي مثلت الشريعة النهائية للجهاد في هذا الدين وإلى يوم الدين لتعتصر قلبي ألماً، وتمزق نفسي أسى، وأنا أرى تقصيري وتقصير المسلمين أجمعين تجاه القتال في سبيل الله.
إن التبرير للنفس بالقعود عن النفير في سبيل الله، وإن تعليل النفس بعلل تخدر مشاعرها فترضى بالقعود عن القتال في سبيل الله لهوّ ولعب بل اتخاد دين الله لهواً ولعباً، ونحن أمرنا بالإعراض عن هؤلاء بنص القرآن الكريم: «وذروا الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا».
- الناس كلهم أثمون بسبب ترك القتال سواء كان القتال في فلسطين، أو في أفغانستان أو في أية بقعة من بقاع الأرض التي ديست من الكفار، ودنست بأرجاسهم.
- فأي حساب وأي عقاب ينتظر أصحاب الثروات والأموال التي تهدر على الشهوات وتراق عبثاً على الأهواء والكماليات.
- يا أيها الدعاة: لا قيمة لكم تحت الشمس إلا إذا امتشقتم أسلحتكم، وأبدتم خضراء الطواغيت والكفار والظالمين.
يا علماء الإسلام: تقدموا لقيادة هذا الجيل الراجع إلى ربه، ولا تتواكلوا وتركنوا إلى الدنيا، وإياكم وموائد الطواغيت فإنها تظلم القلوب وتميت الأفئدة، وتحجزكم عن الجيل، وتحول بين قلوبهم وبينكم.
- يا معشر النساء: إياكن والترف لأن الترف عدو الجهاد، والترف تلف للنفوس البشرية، واحذرن الكماليات واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكن  على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد، لتكن بيوتكن عريناً لأسود، وليس مزرعة للدجاج الذي يسمن ليذبحه الطغاة، اغرسن في أبنائكن حب الجهاد وميادين الفروسية وساحات الوغى.
- أما أنت أيتها الزوجة ففي النفس الكثير والكثير أريد أن أبثه إليك.
يا أم محمد: جزاك الله عني وعن المسلمين خير الجزاء، لقد صبرت معي طويلاً على لأواء الطريق، وتجرعت معي كؤوس الحياة حلوها ومرها، وكنت خير عون لي على أن أنطلق في هذه المسيرة المباركة، وأن أعمل في ميدان الجهاد.
لقد عرفتك زاهدة في الحياة ليس للمادة أي وزن في حياتك، لم تشتك أيام الشدة من قلة ذات اليد، ولم تترفي ولم تبطري أيام أن فتح علينا قليلاً من الدنيا لم تكن الدنيا في قلبك، بل كانت معظم الوقت في يدك.
إن حياة الجهاد ألذ حياة، ومكابدة الصبرعلى الشظف أجمل من التقلب بين أعطاف النعيم وجوانب الترف، الزمي الزهد يحبك الله، وازهدي بما في أيدي الناس  يحبك الناس.
- القرآن هو متعة العمر وأنس الحياة، والقيام وصيام النافلة والإستغفار في الأسحار يجعل للقلب شفافية وللعبادة حلاوة، وصحبة الطيبات وعدم التوسع في الدنيا، والبعد عن المظاهر وعن أهل الدنيا راحة القلوب، وآمل من الله أن يجمعنا في الفردوس، كما جمعنا في الدنيا.
- وأما أنتم يا أبنائي: فإنكم لم تحظوا من وقتي إلا بالقليل، لم ينلكم من تربيتي إلا اليسير، نعم، لقد شغلت عنكم، ولكن ماذا أصنع ومصائب المسلمين تزهل المرضعة عن رضيعها، والأهوال التي ألمت بالأمة الإسلامية تشيب نواصي الأطفال، والله ما أطقت أن أعيش في قفصي معكم كما تعيش الدجاجة مع فراخها، لم أستطع أن أحيا بارد النفس ونار المحنة تحرق كل من له قلب أو بقية من لب، ليس من المروءة أن أعيش بينكم أتقلب بين أعطاف النعيم، وتوضع لي صحفة وترفع صحفة، بين أطباق اللحوم وأنواع الحلويات، والله لقد كنت في حياتي أمقت الترف سواء كان ذلك في ثياب أو طعام أو مسكن، وحاولت أن أرفعكم ما استطعت إلى مقام الزاهدين وأبعدكم عن مستنقع المترفين.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
 

نبراس المجاهدين


هذا، وكان الشيخ القائد قد وجّه مجموعة من الوصايا والنصائح لأبناء حركة حماس، وللمجاهدين بشكل عام، لتكون «نبراساً يهتدي به السائرون على درب الجهاد والاستشهاد»، ومن أهمها: عليك بإخلاص النيّة، وصدق الطوية، وإياك والرياء. عليك بتلاوة جزء من القرآن الكريم يومياً، احفظ من القرآن يومياً ولو آية، عليك بأذكار الصباح والمساء، وأدعية الطعام واللباس والخروج والمسجد والمنام، احتفظ بتفسير صغير مثل الجلالين، اقرأ كتاب فقه السنة للسيد سابق، وكتاب التاريخ الإسلامي لأحمد شاكر، احفظ لسانك وابكِ على خطيئتك، لا تضيع وقتك سدى، وطالع في الكتب الإسلامية المفيدة، احفظ أعضاءك من المعاصي يحفظها الله لك نشيطة قوية، لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، ابتعد عن المحرمات خاصة فيما يختص بالنساء، «فما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء». نم مبكراً ولا تنم بعد الفجر، وعليك بقيام الليل، بيّت النية على الجهاد، واستعد له.

 

لماذا أفغانستان وليس فلسطين؟!


هذا.. ولا يتسع المجال للحديث الموسع عن سمات هذا النموذج القدوة، ومناقبه العديدة الجليلة وفلسفته الجهادية، وحسبنا أن نورد اجابته على من يكثرون عليه السؤال عن فلسطين وأحقيتها بجهاده، فيقول: والله الذي لا إله غيره ليست أفغانستان عندي أعز من فلسطين، ولا كابول أقدس من الخليل، ولكنها فرصة أغتنمها بعد ان طاردني الظالمون، وحالوا دون أن أبلّغ كلمة الله للعالمين، فخرجت إلى أرض أجد فيها سبيلاً للدعوة وميداناً للحركة، وقد يسَّر الله لي خدمة أخوة لكم في العقيدة والدين، وفي ثغر غفل عنه المسلمون يتساقط فيه الشهداء دفاعاً عنكم، وذوداً عن حياض المسلمين، فألقيت بينهم رحالي، ووطنت العزم علي الشهادة معهم أو النصر بينهم. فلماذا أنتم علينا عاتبون؟ ونحن والذي خلق السماوات بغير عمد ترونها لكم محبّون، فوالله إن فلسطين في كل القلوب، وعلى كل الألسنة.
رضي الله عنك يا أبا محمد رضاء أبدياً مباركاً فيه، فأنت من القلة القليلة، ونحن من الكثرة الكثيرة، ونسأل الله تعالى أن لا يحرمنا أجرك، ولا يفتنا بعدك، وأن يجعلنا جميعاً من الفائزين الغانمين، وصلّ اللهم وسلم على حبيبنا المصطفى بعدد ما في علم الله، صلاة دائمة بدوام ملك الله.


المصدر

(1)  المصدر: نبيل خالد الأغا، وجوه فلسطينية، خالدة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/عمان/٢٠٠٢م.
 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. نبيل خالد نعمات خالد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد