مقالات

رحمانيّات ربانية -31- بيت العنكبوت- أ. المنتصر بالله حلمي الأغا

 بسم الله الرحمن الرحيم
 رحمانيّات ربانية
31
بيت العنكبوت

الحمد لله وأفضل الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ونسأله تعالى أن يتم علينا نعمة الهدى والتوبة والمعرفة والخيرات وإتّباعها ، أنه هو السميع العليم المجيب.

تحدثنا منذ عام تقريباً في فضل القبلة الأولى للمسلمين وثالث الحرمين بعد الكعبة المشرّفة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ، بيت المقدس الذي باركه الله تعالى وبارك حوله ، مصداقاً لقول الله تعالى في مطلع سورة الإسراء (آية 1):‘‘ سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاًَ مِنَ المِسْجِدِ الحرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأقصَى الِّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنرُيِهُ مِنْ آيَاتِـنَآ ، إنَّـهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ’’ . ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشرنا بالطائفة المنصورة والمرابطة والظاهرة والمتمسكة بدينها إلى يوم الدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقال صلّى الله عليه وسلم:‘‘ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إلاّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ’’ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ : ‘‘ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ’’ ، وتلك كرامة وبشرى لأهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس من بلاد الشام.

وقد جاء الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في فضل بلاد الشام وبركتها ، وأنها ارض المحشر والمنشر ، ومعقل المؤمنين قبل يوم القيامة . جاء في رواية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استيقظ من نومه فَزِعَاً فقالت له السيدة عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله مالي أراك فَزِعاَ ؟ فقال سُلَّ عمود الإسلام من تحت رأسي ثم رميت ببصري فإذا هو غُرِزَ في وسط الشام ، فقيل لي : يا محمد إن الله تعالى اختار لك الشام وجعلها لك محشراً ومِنعَةً وعِزَاً ’’ . وروى البزاز عن أبي الدرداء قال:( قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :‘‘ بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب ( وفي رواية عمود الإسلام ) اُحتُمِل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوبٌ به ، فأتبعته بصري ، فَعُمِدَ به إلى الشام ، ألا وإنَّ الإيمان حين تقوم الفتن بالشام ’’ . وقد رُوِيَ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ من أراد الله به خيراً أسكنه الشام وأعطاه نصيبه منها ، ومن أراد به شرّاً أخرجه منها ’’ . ورُوي أن الله عزَّ وجلَّ قال للشام :‘‘ أنت صفوتي من أرضي وبلادي أسكنتك خيرتي من خَلقِي وإليك المحشر ، من خرج منك رغبةً عنك فإنما ذلك بسخط مني عليه ، ومن دخلك رغبة فيك فإنما ذلك رضاً مني عليه ’’ .

وبالرغم من كل الأحداث التي تمر بها بلاد الشام منذ عشرات السنين منذ ما قبل سبِي المسجد الأقصى - الذي بارك الله فيه وفيمن حوله - وأحداث جسيمة تقع واحدٌ تلو الآخر بشكل لا ينقطع ، فإن هذه البلاد التي بارك الله فيها ، لا تزيد الأحداث الجسام أهلها إلاّ عزماً وقوّةً وإصراراً على الحق المبين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وهو إن شاء الله زَهْقُ الباطل ونُصرة وعودة الحق بمدد من الله تعالى وقوة المخلصين ورباطهم . وقد روى أبو داوود عن أبي الدرداء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يُقال لها دمشق من خير مدن الشام ’’ . وروى بن أبي شيبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ معقل المسلمين من الملاحم دمشق ، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس ، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور ’’ .

ولأن كثيراً من غير المسلمين يعلمون ذلك من كتبهم القديمة ، فنراهم يسنّون رماحهم وسيوفهم وسيوف بعضنا علينا ، إنهم يفعلون فِعْلَ ( أبو رِغَال ) الذي دلَّ أبرهة الأشرم صاحب الفيل على طريق مكّة المكرّمة عندما أتاها يريد هدم الكعبة ، ويفعلون فعل ( ابن العلقمي ) الذي دلَّ المغول على طريق بغداد فدخلوها ودمروها تدميرا ، وما أكثر أبو رغال وابن العلقمي اليوم ! ، يحاولون تغيير قَدَرُ الله تعالى , ولكن هيهات لهم ذلك ، لذلك نرى أن الهجمة تتكرر على أهل تلك البلاد بين آونة وأخرى لثني عزيمتهم وقهرهم ، فيحاولون تغيير الجغرافيا والتاريخ ، والمصيبة الأكبر أن بعضاً من فصيلة أبو رغال وابن العلقمي في ‘‘ بيت العنكبوت ’’ يحسب نفسه مسلماً أو عربياً - وهو ليس كذلك لأنه لا يحمل من نبل العرب وشيمهم وشهامتهم شيئاً - يساعدهم علينا بدسائس ومكائد من تحت الطاولة وفوقها وبلا حياء ، بل البعض يفخر بما يفعل ، لأنه يعتقد أنه يستطيع أن يغيّر مجرى الحقيقة والتاريخ ، ولكن الله تعالى يرد كيدهم إلى نحورهم ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة فاطر (43):‘‘ ولا يحيق المكر السيْ إلاّ بأهله ’’ ، وما يحز في النفوس أن نجد النصرة عند البعضٍ من غير المسلمين أو العرب ، ولكن نفوس المؤمنين مطمئنّة بوعد الله بالنصر المبين حتى يعود الحق لأهله .

أمَّا من نافق وغدر وخطط ودسَّ الدسائس فإن الله تعالى يوقعه في المهالك ويطوّقه بغدره ولن يقدر على فكّه ، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفتح (10):‘‘ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ’’ وقوله الله تعالى في سورة يونس (23):‘‘ إنما بغيّكم على أنفُسِكُم ’’ . وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ المكر والخديعة والخيانة في النار ’’ ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ‘‘ ثلاث من كنَّ فيه كنَّ عليه ، البغي والنكث والمكر ’’ .

انزل الله تعالى سورة كريمة سمّاها ( سورة العنكبوت ) وضرب فيها مثلاً بالعنكبوت – وهو المخلوق الضعيف – الذي يبني بيته من خيوط واهية ضعيفة لا تقيه ولا تدفع عنه ضرراً ، وقد اكتشف العلماء حديثاً أن الأنثى من العنكبوت تأكل ذكرها بعد بناء البيت الوهن فتهدمه عليها وعلى أهل بيتها ، وما أشبه ما نرى اليوم مثل هذا ، فقد تكاثرت إلى حين إناث العنكبوت ! .

يقول الله تعالى في سورة العنكبوت (آية41):‘‘ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللهِ أولِيَآءَ كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتَاً وَإنَّ أوْهَنَ البُيُوتَ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتَ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ’’ . والحمد لله رب العالمين بيوتنا شامخة باقية بسواعد الرجال المؤمنين الذين وعدهم الله تعالى بالنصر المؤزر ليعلوا الحق ويمحق الكافرين ومن لف لفهم ، ولن يُخلف الله وعده ، ولن يخذلهم .

نسأله تعالى أن يتولانا ويرحمنا بجوده وكرمه وعطفه وهو ارحم الراحمين ، وأن يرحم أموات وشهداء المسلمين ووالديَّ وأن يجعلهم في الفردوس الأعلى مع عباده المخلَصين وحَسُنَ أولئك رفيقاً ، وأن يرحم ويغفر لمن كان سبباً وساعد في نشر هذه الرحمانيّات الربّانية ، اللهمَّ آمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .

أخوكم المنتصر بالله حلمي الآغا 26/11/2011

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. المنتصر بالله حلمي أحمد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد