مقالات

كيف نربي أطفالا أصحاء أسوياء الجزء الثالث بقلم أ. إيمان فتحي

كيف نربي أطفالا أصحاء أسوياء
الجزء الثالث

حينَ نَنْظُرُ إلى الْمُسْتَقْبل ، نرى فلَذاتِ أكْبادِنا هُمْ  زُهورُ الْحاضِر ، وأَملُ الْمسْتقبلِ ، فكُلُّ ما نتَمَناهُ في حَياتِنا أنْ نراهُمُ الْأفْضَل . ونَحْن كأمَّهاتٍ وآباءٍ نبْحثُ عن أفْضَل الْوسائِل في شتَّى الْمَجالاتِ لينْشأ لَنا جيلاً سليمَ الفِكْر مُعافى ذَا عَقلٍ غيرَ عقيمٍ .

عِنْدَما بيْلُغُ طِفْلنا عامَهُ الثّالتِ لا بُدَّ مِنْ :

أوَّلاً : لا بدَّ أنْ نَضَع بِعيْنَ الإعْتبارِ  رغْبةَ الطَّفْل في حُبِّه للإسْتِقلالِيَّة ، فَنَراهُ يحبُّ أن يعْتمِدَ على نفْسِهِ في كُلِّ شيٍء وربَّما يلْجَأُ للصُّراخِ لتَحْقيقِ ذلك ،خصوصاً أثْناءَ تناوُلَه للطَّعامِ ، فبدلا من اصْرارِكَ على الرَّفْض دَعيهِ يخْتارُ بين الجلوسِ على طاوِلَة طعامٍ أو وضعِ مِلاءَةٍ على الأرْضِ ليجْلِسَ عليْها فنَراهُ يخْتارُ بفَخْرٍ دونَ التفْكيرِ بشيٍء ثالثٍ ، وهكذا في باقي الأُمورِ دائماً قدِّمي لَه الْخِياراتِ ولا تتْرُكي الْمَجالَ مفْتوحاً أمامهُ لأنه لا يعْرفُ كيْفَ يُديرُ أُمورَه ، فما الضَّيْرُ في تحْقيقِ رغْبَتهِ مع عرْضِ المُساعدَة عليْه وليْس إرْغامُهُ عليْها ، ولا ننْسى ( أنَّ كلُّ مَمْنوعِ مرْغوب ٍ) وخاصةً منْ دونِ إبْداءِ أسبابٍ واضِحَةٍ ، ولْنَعْرف أيْضاً أنَّهُ حقٌ منْ حُقوقِهِ .

ثانياً :  يَميلُ الطِّفلُ في هذا الْعُمرِ إلى الْأنانِيَةَ وحبِّ التَّملُّكِ ، ونَراهُ يرْغَبُ اللَّعِبَ بمُفْرَدِه حتَّى وإنْ وُجِدَ مجْموعَةً أخْرى منَ الأَطْفال ، فلا بُدَّ منْ تعْليمِه مَهارَة اللَّعبِ معَ الأخَرينَ ومشارَكَتهِم ، وذلكَ لتعْويدِهِ على الْعَطاءِ ، ولنَحْرصَ على عَدمِ الْمُبالَغةِ باجْبارِهِ ولكِنْ بالإِقْناعِ . فالطِّفلُ سهْلُ الإقْناعِ إذا ما أوْجَدْنا لَه الإيجابِياتِ .

ثالتا: نحُنُ دائِماً نهْتَمُّ بتَرْبيةِ الطِّفْلِ ترْبيةً صَحيحَةً وسَليمَةً ، فلا بُدَّ مِنَ الْعِقابِ والثَّوابِ ، الذّم والْمَديحِ ، الشُّكْر والتَّقْديرِ حتّى وإنْ كانَ عمَلأ بَسيطاً  والْعَطْف الْحَقيقي على الطُّفولَة هو الذي يرْعى صالِحَها في مُسْتَقْبلِها لا الَّذي يُدَمِّرُ كَيانَها ويُفْسِدُ مُسْتَقْبلِها .

لِنَفْرِض أنَّ طِفْلاً رَمى وَرَقةً على الأرضِ. لا نَقولُ إنَّ هذا الطَّفْلُ لم يُخْطِئُ ولَمْ يُجْرِمُ ، بلْ ننْظُرُ إلَيْهِ على أنَّها تَرْبية على الْخَطَأ والصَّوابِ ، فكَما تعَوَّد أنْ يَهْتمّ بِأصْغَرِ الْأمورِ سَتَكونُ الكَبيرَةِ مُهِمَّةً بالنِّسْبةِ إليْهِ . وهُناكَ منْ يسْتَعْمِلُ الْعِقابَ الشَّديدَ في كُلَّ الْأُمورِ مَهْما اخْتلَفَ حجْمُ الْخَطأ . وهذا أُسْلوبٌ  خاطِئٌ تماماً ، فلْيسَ الطِّفْلُ الَّذي لا يَغْسِلُ أَسْنانَهُ قبْلَ النَّومِ كالطفلِ الَّذي سَبَّ أوْ شَتمَ ابنَ جارِهِ أو أخاه ،وليسَ الطِّفْلُ الذي كُسِرَ منْهُ شَيء بغيرِ قصْدٍ كالطِّفلِ الذي كسَرَ شيء قاصِداً ، أذْكُر ذاتَ يومٍ أنَّ ابنتي في عُمْر الخامِسَة كانت تحْمِلُ في يَدِها لُعْبةً وفي أثْناءِ اللَّعِبِ بها سَقَطتْ اللُّعبةُ على قَدمِ أخيها الأصْغَر مِنْها بِعامَيْنِ بغيْرِ قصْدٍ منها فَما كانَ مِنِّي الا أنْ لَجأتُ إلى ضَرْبِها ، وأعتَرِفُ أنهُ كانَ تصَرُّفاً خاطِئاً مِني ، ومنْ مِنا لا يُخْطِئُ ، ولكِن الأهَمُّ هوَ أنْ نَتعَلَّم مِن أخْطائِنا . وها هِيَ ابْنَتي الآن  تدْرُس في الجامِعَةِ و أُجْزِمُ أنَهُ  كُلَّما مرَّ بِذاكِرَتي ذلك المَوْقِفُ أشْعُر بتَأنيبِ الضَّميرِ. فَمِن الْخَطأ الَّتصَرُّف قبْلَ الْتفْكيرِ أوْ التَّصَرُف بِغيْرِ وعْي .

والطَّريقَةُ الأنْسَب للعِقابِ في عُمْر الثلاثِ سنواتً هي الْحِرْمانِ منَ الأشْياءِ المُحَببةِ إليْهِم ، ويجِبُ إفْهامُ الطِّفلِ سبَبِ حرْمانِهِ منْ لُعْبتِهِ الْمُفَضَّلةِ حتى يَعْرفِ أنَّهُ أخْطأَ . وأنْ يكونَ العِقابُ بعدَ تكْرارِ التَّصَرف لأكْثرَ منْ مَرَّةٍ ، وبعدَ التوْجيه ، وبعدَ تهْديدِه بالْحِرْمانِ ،  أيضاً يجِبُ أنْ لا يكونَ الحِرْمانُ لفَتْرةً طَويلةٍ ، بل لا تَزيدُ عنْ يومٍ وذلك لأنَّ كثْرَةَ الحرْمانِ وطولِ الْفَتْرة تجلِبُ له الضَّرَرَ النَّفْسي .

ومن أنواع العقاب أيضا الحبس والحرمان فهو مفيد إن شاء الله من عمر السنتين وحتى الثانية عشر . فحينما يخطئ الطفل نفعل الآتي ::

  • نَطلُبُ منَ الطَّفْل أنْ ينْتقِلَ إلى زاوِيَة الْعِقابِ حيثُ يجْلسُ على كُرْسي مُحَدَّد في جانِبِ الغُرفَةِ أو أنْ يقفَ في رُكْنٍ منَ الغُرْفة.     
  • يتمُّ إهْمالُه لفَتْرةٍ مَحدودَةٍ من الوقتِ وتوضَعُ ساعةَ منبهةً مضْبوطَةً على مدةِ انتهاء العقوبةِ وهي منْ خمْسِ دقائقَ إلى عشرِ دقائق كافيةً إنْ شاءَ الله،
  •  يُطْلَبُ من الطِّفْل التَّنفيذُ فوراً بهُدوءٍ وحَزْمٍ، وإذا رَفَضَ يؤخذُ بيدِهِ إلى هُناكَ معَ بيان السببِ لهَذهِ الْعُقوبةُ باخْتِصارٍ، ولا يُتَحدَّثُ مع الطِّفلِ أثناءَها أو يُنْظَرُ إليه ..

وتأْخذُ أشْكالَ الإهْمالِ صُوراً أقسى حينَما يَدْخلُ الأبُ أو الأمُ فيُسَلَّمونَ ولا يخصون ذلك الابنَ بتَحِيةٍ خاصةٍ أو لا يسْألونَ عن بَرامجِهِ في ذلك اليومِ أو مدْحِ غيره منْ أبناء جيلهِ أمامَهُ . وأود أن أنوِّه َأنهُ عنْدَ انتِهاءِ مدَّةِ العُقوبةِ ألا نتَحدَّثَ معَ الطِّفْل عنها وألا نوَضِّحَ له مدى الألَمِ والحزْنِ الذي شَعَرْنا بِه فتْرةَ عِقابه، والْحَديثِ عنْ أطْفالِنا في مرْحَلَةِ الطُّفولَة طويلٌ جِداً ولهُ نِقاطٌ وزَوايا مُخْتلِفةً سِأتَناوَلُها في الْمَرَّةِ القادِمَةِ باذْنِ اللهِ .ِ 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. إيمان فتحي خالد حسين قاسم الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد