مقالات

رفيف ملهمتي- بقلم رند جهاد الأغا

رفيف ملهمتي

ولدت أولى بنآتي وهي طفلنآ البكر بعينين زرقآوتين وخصل شقرآء ، بيضآء البشرة جميلة الملآمح ، منذ ولآدتهآ غمرتني فرحة لم أذق مثلها منذ سنين ، وسرعآن مآ تحولت هذه الفرحة إلى نوبة حزن مبكية ، فـ بمجرد التفكير بأن ابنتنآ ستعُود لذلك المنزل الذي سُند على حجر وفرش على ترآب يصيبني بالقشعريرة ، كيف سأربيهآ في ذالك المكآن الموحش ! وكيف ستعيش هنآك ، كيف سيتحمل جسدهآ الهزيل هذه الأوضآع !

خرجتٌ من المشفى بعد ولآدتي بيوم لعدم قدرتنآ على تسديد المصآريف ، وعدت بـ رفيف طفلتي التي ملأت حيآتي وداً وسعآدة ، التي أكسبتني لقب " أم " وضعتهآ في سريرهآ المصنوع من كرتون ورقي تبطنه وسآدة من القطن البآلي، كنآ نكآفح لنحصل على غذآئنآ وكآن زوجي المصآب بمرض الكلى يذهب لغسيل كليته مرة اسبوعيآ على حسآب احد أهل الخير مدى الحيآه ، لذى فلم يكن يقوى على أن يرهق نفسه وإلآ دخل في حاله من الهذيآن بسبب الالم الشديد، فكآنت المسؤولية تقع على كاهلي ، لذآ فقد كنتُ أعمل خآدمة من السآعة الرآبعه عصرا الى الثآنية عشر بعد منتصف الليل، ولقد توقفت عن العمل ثلاثة اسابيع بعد مولد رفيف لأعود للعمل من جديد ، وكآنت من اصعب الأسآبيع حيثُ لم نكن نستطيع الحصول على قوت يومنآ ، ولكني كنت اعد الشآي والقهوة ويخرج زوجي لبيعهمآ.
هذآ مآ كنآ نسترزق منه.

كُنت أدون الأحدآث بحذآفيرهآ الشيق منهآ والبسيط ، فقط لتبقى لرفيف ولأخوتهآ، ليعلموا مآ نعآنيه لأجلهم،كٌنت أدونه ولكن بأسلوب مغآير للحقيقة بقليل، لأجعل  شيقه لآ تُكل ولا تُمل، كآنت رفيف طفله مليئة بالحيوية تضئ لنآ مآ يسمى بـ " المنزل " كنت أعود للمنزل لأرى تلك الشفتآن الصغيرتآن تبتسم فأنسى أي الم او تعب سبق وشعرت به عندمآ بلغت رفيف الشهر اصبحت تعآني من شدة السعآل والكحة ، وكآنت لآ تكف عن البكآء  ممآ كآن يدفعني أحيآنآ للتغيب عن العمل ذهبنآ بهآ مسرعين الى الطبيب ، وتم تشخيص صغيرتنآ بالربو تملكني الحزن بل وسيطرت علي كآبه متلآزمة ، أليم هو هذآ الشعور عندمآ ترى فلذة كبدك يتألم ولآ تستطيع ان تبتآع له الدوآء اللآزم لم أجد حلا سوى ان اخبر السيدة التي اعمل لديها أن تقرضني ثمن الدوآء ، وتحسمه من رآتبي، فتقبلت بصدر رحب وأعطتني المآل كـ هديه او بالأحرى مكآفأه على تفآني في العمل، بدأت حدة سعآل رفيف تقل تدريجيآ وعلى مآ يبدوا أن الدوآء  أفآدهآ، عُدت منتظمة الى العمل اخرج العصر واعود في الليل واستيقظ عند الثآمنه صبآحآ لآعد بعض الطعآم إن وجد، وإلآ لأكتب احدآث يومي السآبق، كنتُ أخبيء دفتر حيآتي هذآ في حقيبتي بعيدآ عن زوجي لكي لآ يعلم بمرآرة مآ أعآنيه، فبين صفحآته كآن بوحي وشكيآ ألمي، خرجتُ عصر ذآت يوم الى عملي وأثنآء انغمآسي في عملي نآدتني ربة عملي متسآئلة عن دفتر وقع بين يديهآ " دفتر يومياتي " وجدت انهآ تصفحت بعض صفحآته وعرفت من خلآله مآ أعآنيه فطلبت مني أن تحتفظ به لتقرأه فقد أثآر فضولهآ كأنه روآية أو أحدآث مسرحية ، ترددت وأخبرتهآ بأني ادون كلمآتي في صفحآته يوميآ ، ووضحت لهآ بأنهآ تستطيع قراءته كلمآ حضرت الى العمل، كنتُ اتكلم وقد احمرت وجنتي ، فمآ خُط في ذاك الدفتر خآص جدا ولكني لم ارد ان اردهآ لفضلها علي بعد الله، وأستمريت على هذآ الحآل أذهبُ ودفتري معي لتقرأه وتستفسر عن بعض الأمور واعيده معي، لأقضي اجمل الاوقات برفقه رفيف التي تكبر تحت عينّي وآلدهآ، أحسُ بالذنب على عدم توآجدي معهآ، ولكنهآ ستتفهم عندمآ تكبر فكُل مآ افعله لنآ ولهآ،في عصر يوم اخبرتني ربة عمّلي بأن كتآبي نآل إعجآبهآ وسينآل أعجآب اي شخص يقرأه.

فتساءلت عن أي كتآب تتحدث ؟
فوضحت لي بأن يومياتي كنز لا يفنى ، وأنهآ تستطيع ان تسآعدني لتقديمهآ لوزآرة الإعلآم للموآفقه عليهآ ونشرهآ تحت مبدأ أنهآ " روآية " مع تعديل بعض الكلمآت والمواقف لتنآفس الحس الدرآمي، لم اوافق قطعآ ولكن اخبرتهآ بأني سأفكر في الموضوع، فأوضحت لي بأنه سيعود علي بعوآئد مآلية كبيرة، اومأت رأسي بالإيجآب وانصرفت وكلي شوق ولهفه لرفيف، عُدت وكُل تفكيري منحصر حول يومياتي وعن الكسب المآدي الذي ستحققه لي، ولكن لم الق للأمر بآلآ حتى اخبرني زوجي بأن الدوآء انتهى ولآبد من مآل لشرآء دوآء جديد، اخرجت من حقيبتي بضع عملآت وقد كآنت اخر مآ معي وأوفت الحآجة بطريقة مآ،بعد يومين من حديثي مع ربة عملي وبعد ان زادت رفيف سوءًا، فآتحت ربة عملي في الموضوع واخبرتهآ أني سأبدآ العمل عليهآ كـ روآية وأنهآ هي ستتكفل بالباقي، عرفتني على أحد النآشرين الذي أعجب بسيرة حيآتي وتمت الموآفقة على الروآية ،اخبرت زوجي ، فلم يظهر اي تقبل او اعترآض فقد تمتم بكلمآت وخلد الى النوم.

بدأت روآيتي تنتشر وأصبح العآئد المآلي في تزآيد،انقلنآ الى شقه صغيرة و لكنها افضل من " شبيه المنزل " الذي كنآ نقطن فيه ،دخلت ذات يوم الى مكتبه ورأيت روآيتي زينت بأسمي في اسفلهآ، اشتريت نسخة غير المخطوطة التي لدي عدت مسرعة للبيت لأريها لزوجي واحتضن رفيف لانها كانت جزء مهم من هذه التجربة، عدت و وجدت رفيف تبكي بطريقة مثيرة للريبه، أحسست بأنها لا تتتنفس بسهولة ، حملنآهآ الى المشفى وتوفيت على اثر أزمة ربو،فقط ازمة ربو اودت بحيآة طفلتنآ البريئة التي لم تتم النصف عآم، بكيت الم وحرقة ، دعوت وتوسلت الى الله.

وبعد هذآالموقف بـ 10 شهور رزقت بتوأم طفل وطفله، فتوجتهمآ بإسمآن وآحد منهمآ يعيد الذكريآت والآخر يبشرنا بالمستقبل.
فـ رفيف ووليد توأماي اللذان يبلغآن 3 أعوآم وقد كتبت الى الآن خمس روآيآت كآنت رفيف ملهمتي فيهآ.

رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.

من بنات أفكاري ،،،
كتبت رند جهاد الأغا

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السيدة رند جهاد عباس جاسر حسن أحمد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد