مقالات

حكاية مقاوم- بقلم أ. سماح الأغا

حكاية مقاوم ...

الشخصيات والأماكن ..

عثمان
زهراء "زوجة عثمان"
أحمد "رفيق عثمان"
محمد – أنس – عبد الرحمن – حياة " وهم ابناء عثمان وزهراء "
حسن "ابو مالك"
 حليمة زوجة ابو مالك
فاطمة وعائشة ابنتا ابو مالك
رجال المقاومة
الدكان
البستان
مركز القيادة
جيش الاحتلال "العدو"

صباح الخير ..
بتلك الكلمات كانت تبدأ عائلة عثمان "ابو محمد" يومها ؛ فبعد تناول الافطار كان يذهب كلاً من محمد وانس الي مدارسهم فمحمد هو رجل العائلة كما يسميه والده والذي يبلغ  من العمر العشر سنوات ويصغره انس بثلاث سنوات وعثمان يذهب الي عملة في دكانته  التي يجمع منها قوت يومه وزهراء تبدا عملها في المنزل ورعاية اطفالها عبد الرحمن وحياة التوأمين اللذين يبلغان من العمر 3 سنوات .

كانت العائلة بسيطة جدا في حياتها ، ورغم بساطتها  كانوا يقضون اسعد الاوقات مع بعضهم . وكانت البلدة التي يعيشون فيها من القري الريفية التي تعتمد علي نفسها في كل شيء فكانوا يعيشون ويشاركون بعضهم في احزانهم قبل أفراحهم ، كان عثمان يذهب الي دكانته الواقعة علي اطراف القرية ؛ فكان يحتاج الي وقت لكي يصل اليها لذلك كان يخرج مبكرا  لكي يتيح الفرصة للجميع ان تأخذ ما يلزمها ، فقد كان يقضي اليوم كاملاً هناك وكان طفله محمد يحضر له الغداء عند عودته من المدرسة، فقد كانت زهراء تعد الطعام لهما وقبل ان يفعل محمد أي شيء يذهب الي والدة ومن ثم يعود ليتناول الطعام مع والدته واخواته. وبعد ان ينهيان طعامهما كان يذهبان للعب مع اطفال القرية إلي ان يحين المساء كل منهما يذهب الي منزله ويبدأن في حل واجباتهم المنزلية قبل الذهاب الي فراشهم.

كان الهدوء يحل علي القرية في وقت مبكر ؛ وعلي الرغم من ذلك الهدوء الا ان عائلة عثمان تنتظره بفارغ الصبر ان يعود من عمله ليقضوا معه بعض الوقت قبل ان يلجئوا الي فراشهم . فقد كان كل يوم يحضر بعض الحلوى التي تفرح اطفاله وكان ذلك الموقف يتكرر في كل يوم .

فبعد ان يتسامران وينهيان تناول طعام العشاء يبدا النعاس بطرق باب اعينهم ..

 عثمان ... هيا محمد  الجأ الي فراشك لكي نذهب لصلاة الفجر حاضرا ؛ وانت يا مشاكس اذهب لتفيق الي المدرسة صباحاً .. اما انتم يا صغار فقد حان موعد نومكم .. يكفي لعب اليوم .

فتذهب زهراء لكي ترعي صغارها وتجعلهم ينامون بسلام ؛ ولكنها تنام قبلهم لشدة الارهاق والتعب من العمل طوال النهار.

وعثمان قد بدأ التعب عليه ؛ فنام بالمكان دون ان يشعر بذلك , فقد افاق علي اذان الفجر ,,, ونادي علي زوجته لكي تصلي الفجر وتيقظ محمد ليرافقه الي المسجد. وخلال عودتهم من المسجد يدور بينهم حديث الاب لابنه الي ان يصلان الي المنزل .

فمحمد رغم صغر سنه الا انه كان حافظا  للقرآن ؛ ومحافظا علي الصلاة فهو مازال صغيرا ولكن والدة يفتخر به امام الناس .

أما انس كان عكس ذلك فقد كان مشاكس وشقي جداً ؛ ولكن عثمان صابرا عليه لصغر سنه فدائما يقول لزوجته" دعيه فغداً يكبر و يعقل"،  فتبتسم وتقول متي يحدث ذلك .

الي ان يعلن النهار قدومه ويبدأ العمل به كاليوم السابق ... فقد حان موعد الغداء وقدوم محمد من المدرسة ؛ فتسرع زهراء في تجهيز الطعام لزوجها ؛ جاء محمد واخذ الطعام وذهب الي والدة ...

 ولكن هذه المرة كانت الدكانة  مغلقة  استغرب محمد من ذلك وتساءل عن مكان والدة واذا بالدكان بعد دقائق تفتح بابها ويخرج منها رجل غريب غير والد محمد تعجب لذلك ونظر اليه نظرة وكانه يسأل من انت ايها الغريب ؟؟ وماذا تفعل في دكانة أبي ؟؟

 قاطعة صوت والدة ينادي عليه..
محمد ... منذ متي وانت هنا يا ولدي ..
 ليس الكثير يأبي ؛ ولكني وجدت الدكانة مقفلة واردت ان انتظرك لكي تعود
لقد كنت اصلي في الداخل يا محمد لذلك كنت اقفل الباب .. ينظر الي والده وكأنه يريد  ان يسأل عن ذلك الغريب الذي خرج من عنده ؟؟ ولكنة لاحظ شيء غريب لم يراه من قبل.. ابي ما هذا الباب الخلفي لم اراه من قبل ..

نعم يا  ولدي فقد كان يغطيه الرفوف التي اضع عليها الاشياء واليوم اردت ان اعيد ترتيب المكان ؛ كنوع من التسلية خلال اليوم .
هل اساعدك يـ أبي ...؟؟

لا يا محمد يجب ان تعود الي المنزل فوالدتك واخواتك في انتظارك لتناول الطعام . هيا اذهب ولا تلعب فتتأخر عليهم.
 حاضر ابي ؛ سأذهب واراك في المساء ان شاء الله .
لم يكن محمد يدرك مدي العمل الذي يقوم به والدة ؛ ولم يكن يعلم بان والدة يعمل بالمقاومة وان ذلك الباب الصغير هو السر في كل الحكاية الذي يخفي الكثير من الاسرار ولكن مازال الوقت مبكرا لكشف تلك الاسرار .

عاد محمد الي المنزل  وكان الجميع في انتظاره لتناول الغداء ؛ ومن ثم خرج هو وانس ليلعبا في القرية مع الاطفال ، وفي المسا يعود عثمان من عملة ويحمل معه بعض الحلوى لأطفاله عبد الرحمن وحياة  ,, وزهراء في المطبخ تجهز الطعام ؛ ومحمد يتساءل هل انهيت العمل يا ابي في الدكانة .. ليس بعد يا محمد فهناك الكثير من العمل مطلوب مني وان شاء الله ينتهي قريباً
كان محمد يسأل عن العمل في الدكانة والاب يجيب عن عمل اخر يقوم به .
انس يعانق والدة من الخلف وعبدالرحمن وحياة امامه .
 والام تصرخ اتركوه ليرتاح قليلا .

 اتركيهم يا زهراء فاني اشتاق اليهم كثيرا  ولا اراهم دائما , وبعد قليل سيذهبون للنوم ..
هيا يا مشاكس تعال وتناول الطعام معنا .. لا اريد فانت لم تحضر  لي اشياء كعبد الرحمن وحياة ,, يبتسم الاب والام وهل انت صغير يا انس .
 لا... ولكني اريد مثلهم .
 تعال وسأحضر لك غدا مثلهم .
يجلس بجانب والدة والعائلة كلها علي مائدة الطعام ويدور بينهم حديث العائلة ؛ ولكن قاطع حديثهم صوت الباب ؛ استغرب الجميع "من الذي اتي بهذا الوقت..
 ذهب محمد ليفتح الباب , واذا به الغريب الذي راه يخرج من دكانة والدة .
مرحبا ... كيف حالك يا بطل  هل والدك موجود .
 نعم سـ انادي عليه
ابي ... ابي .... انه الرجل الذي كان عندك اليوم
رد بصوت متعجب .. احمد ،، ما الذي اتي به الي هنا " لعله خير ان شاء الله"
ذهب ليراه .. وكانت رسالة عاجلة من القيادة بضرورة الإسراع والانتهاء من العمل الذي نقوم به فليس هناك وقت ياعثمان .. كنت اريد ان أؤجل ذلك للصباح ولكن كان لا بد ان تعلم بذلك فالقيادة امرتني بسرعة التبليغ .

لا تقلق يا احمد ان شاء الله اراك غدا وننهي عملنا .
عاد الي الداخل وفكرة حائراً .. ماذا هناك ياعثمان ومن ذلك الرجل
لا شي مهم.. لقد نسي أغراضه عندي عندما كنا نصلي وجاء ليذكرني بانه سيأخذهم في الصباح . لكي لا اعيدهم الي مكانهم وانا اقوم بترتيب الدكان .
حل الليل بسكونة ؛ ونامت القرية بهدوئها ولكن هناك فرقة قائمة علي الحدود لحراستهم كان الله في عونهم من برودة الاجواء وحفظهم دائما ؛ فهم يرصدون اوضاع الحدود مع العدو ؛ فهناك اخبار متداولة بان الاحتلال ينوي دخول القرية في أي وقت , وكان بين الحين والاخر تحدث بعض التحركات والتغيرات الغريبة لقواتهم علي الحدود.. لذلك كان لا بد من وجود افراد علي الحدود يتابعون الامور ليلا ونهارا عن طريق دوريات يتم تغيرها بين الفترة والأخرى .بدأ بزوغ الفجر وحان موعد الأذان الأول ولكن عثمان لم ينم جيدا فقد كان فكرة حائرا في تلك الرسالة التي وصلت اليه في المساء وضرورة الانتهاء من العمل .

ايقظ زوجته لتصلي الفجر ومحمد قد استيقظ ليرافق والده الي المسجد ؛ وعندما عاد لم ينتظر للصباح فخرج الي الدكانة وقال لزوجته عندي الكثير من العمل يجيب أن انهيه اليوم .

غادر المنزل والقرية مازالت نائمة وصل الي مكان عمل فتح باب الدكانة الخارجي وأغلقه من الداخل وفتح الباب الصغير "مخبئ الاسرار"

واذا هناك غرفة صغيرة مجهزة بكل شيء فهي كانت مركز القيادة التي يصدر القرارات لجميع افراد المقاومة ؛ كانت تلك الغرفة معزولة تماما عن العالم الخارجي لا يصل اليها الشمس ابدا ؛ فكان نهارها كـ ليلها والقائمين هناك لا يخرجون الا في نهاية الاسبوع ويقضون الجمعة بالخارج ومن ثم يعودون في بداية الاسبوع لممارسة عملهم الخطير . كان عثمان قائما في هذه الزاوية حيث كان يعمل علي اعادة تصنيع الأسلحة هناك وتصديرها لرجال المقاومة وكان القرار الذي جاء بالأمس اليه هو الانهاء من هذا العمل بأسرع  وقت .

مر الكثير من الوقت وعثمان مازال منهمكا في عمله والقيادة تتابع ما يدور في العالم الخارجي  بحذر والمقصود هو الحدود مع الاعداء . ومتابعتهم لتقدم الاعداء رويدا في كل ليله وكأنها رسالة نصية الي القرية باحتلالها قريباً .

كانت زهراء منشغلة في ذلك الوقت بعمل المنزل وتجهيز الطعام لزوجها وأطفالها . فلم يتبقى الكثير علي عودة محمد  وأنس. من مدارسهم .
ها قد جاء محمد وأنس ... هيا يامي احضري الطعام لأذهب لابي ؛ لقد كان محمد متشوقا جدا لرؤية الدكان بشكلها الجديد . ولكنه ما ان وصل الي هناك حتي كانت تغلق ابوابها منذ الصباح والجميع يسأل محمد عن مكان والدة
محمد اين والدك .. لم نراه منذ الصباح .. أهو بخير
نعم .. والدي بخير ولكنه قد يكون ذهب الي السوق ليحضر ما يلزم الدكان من اغراض ..
ينتظر محمد والدة علي باب الدكانة ومرت ساعات ولم يحضر عثمان وزهراء اصبحت قلقه علي ابنها محمد فليس من العادة ان يتأخر هكذا ... مر الوقت ولكن دون جدوي , حمل نفسه وعاد أدراجه الي المنزل

وصل الي المنزل ومعه الطعام كما ذهب به ..
لماذا لم يأكل والدك يا محمد .. لما عدت بالطعام
ابي ليس هناك ي أمي , ومنذ الصباح لم تفتح الدكانة والكل يسأل عليه
استغربت زهراء كثيرا وقالت في صمت اين انت ياعثمان  لعل غيابك لخير ان شاء الله
جهزت الطعام لأبنائها وام محمد اصبح فكرها بعيدا مما قال لها ابنها .. ولكنها كانت تصبر نفسها الي ان يأتي موعد لقائهما في المساء لتعرف سبب الغياب .
تناول الاطفال الغداء وذهب محمد وانس يلعبان مع اطفال القرية وعبد الرحمن وحياة يلعبان في فناء المنزل وام محمد جلست بجانب النافذة لتستريح قليلا .. بقيت علي هذا الحال الي ان حل المساء واصبحت عيونها تنظر الي هناك لعلها تري طيف زوجها يعود ..
 رجع محمد وانس امي الم يأتي ابي الي الآن
لا ياولدي لم يأتي موعده بعد ...

 هيا لتدرسان قليلا الي ان يحين موعد العشاء ويكون والدك قد حضر
جاء موعدة ولم يأتي المنتظر بعد ... بدأت الام بتحضير الطعام  ..
انس ... ابي لم يأتي يامي ولم يحضر لي مااردت . مثل عبد الرحمن وحياة ؟
سيأتي والدك ايها المشاكس ولكن لا نعلم ما سبب تأخيره .. هيا تناولا العشاء واذهبوا الي النوم يبدو انه سيتأخر قليلا اليوم ..
قارب الوقت علي منتصف الليل وعثمان لم يحضر بعد

 ذهبت زهراء لتتفقد اطفالها وهم نيام ووضعت عبد الرحمن وحياة بمكانهما لينعمن بنوم هادي وهي رجعت الي تلك النافذه تنتظر رجوع زوجها .
لم يكن هناك ما يزعجها في هدوئها ؛ فالقرية كلها نيام ؛ وفي ظل ذلك الهدوء المخيف ؛ سمعت صوت مزعج ولكنة بعيد بعض الشيء فكانت تلك تحركات الاعداء علي الحدود ؛ وكأنهم يتقدمون قليلا الليلة
بدا الخوف يطرق باب قلبها علي غياب زوجها وتدعو الله ان يحفظه لهم ويعود سريعا .. في تلك اللحظات تم تبليغ القيادة بان علي الجميع الخروج من الغرفة لان هناك تحركات كثيرة علي الحدود والطيران بدأ التحليق بالأجواء . كان ذلك قرار سريع ؛ وكان الخبر الثاني بان علي جميع المجاهدين المتواجدين علي الحدود اخذ درجات الحذر بعد ان تمنت لهم السلامة .
تم خروج جميع الفرقة الموجودة في الغرفة علي فترات وذلك لعدم الفات النظر اليهم , كان عثمان مازال في وضع اللمسات الاخيرة علي صناعته . ولحتي الان لم يصله أي خبر عن ما يدور في الخارج او في غرفة القيادة .الي ان جاء اليه رفيقة احمد
هيا يا عثمان لقد جاء قرار بالخروج من هناك الاوضاع اصبحت سيئة في الخارج ؛
انهيت عملي تقريبا يا احمد لم يتبقى سوي التجربة فقط
رغم الارهاق الشديد الذي حل بعثمان نتيجة العمل المتواصل الذي زاد عن 24 ساعه الا انه سعد جدا بقرار الخروج لقد اشتاق لزوجته واراد ان يذهب ليطمئن عليها فهو يعلم بان القلق يراودها بمجرد تأخيره عن المنزل

خرج الجميع ولم يتبقى سوي عثمان ورفيقه...
ودعا بعضهما الي ان يلتقيان في اليوم الثاني ... وبالنهاية خرج عثمان واحكم غلق الباب الصغير ومن ثم اغلق باب الدكانة التي لم يتم فتحها منذ ساعات الصباح الاولي
مازالت ام محمد تنتظر زوجها علي نافذتها فلم يكن هناك ما يأنس وحدتها سوي اضاءة القمر وصوت الخفافيش التي بين الاشجار ...
 وابو محمد يسير في الطريق متجهاً الي منزلة ؛ ولكنة يسير بحذر شديد فالطيران اصبح بالأجواء ...
وصل الي منزلة وقد شعر بان زوجته مازالت مستيقظة وفي انتظاره
 سمعت زهراء  صوت شخص قادم فعلمت انه عثمان لذلك اسرعت لاستقباله علي الباب ..
 فرح لرؤيتها ولكن حزن علي رؤيتها جالسه هكذا بانتظاره..
لماذا لم تنامي يازهراء ...
كيف انام وانت لم تعد لحتي الأن و لا اعلم عنك شيء والدكانة لم تفتحها اليوم ، اين كنت ؟؟؟
لقد كان الجميع يسأل عنك ..
لقد كان هناك عمل كثير يجب ان أنهيه ولم يكن عندي وقت لكي اكون متواجد بالدكانة او غيرها
وما هو هذا العمل  الذي اخذك من الجميع واخرك الي هذا الوقت ؟؟؟ أشعر وكأنك تخفي عني شيئاً ؟
ستعلمين ذلك في الوقت المناسب ,,, هل يمكنك ان تضعي لي الطعام فلم اكل منذ الامس ..
حاضر يازوجي .... ولكن ماذا هناك فالأجواء غير طبيعية هذا اليوم؟
هذا صوت الاحتلال وألياتها ، لقد اصبحت قريبة من الحدود يبدو انها تخطط لشيء .؟
اتت بالطعام ووضعته امام زوجها . فقد سألها عن الصغار  وكيف قضوا يومهم ؟

كالأيام الأخرى ولكنهم افتقدوك كثيرا وانس نام وهو يسأل عن ما وعدته به . سأحضر له غدا هو والجميع ما يفرحهم .
اطمأنت زهراء بعد ان وصل زوجها الي المنزل وناموا بأمان فعثمان لم يستطيع ان ينتظر حتي يأتي موعد الفجر فقد ارهقه التعب ونام دون ان يشعر بذلك ..
ولكنهم افاقوا علي صوت مزعج ومرعب اخاف زهراء كثير ؛ انه اطلاق نيران  ارتعبت زهراء ومن في القرية وذهبت لتتفقد ابنائها .. فرأتهم مازالوا نائمين ؛ اطمأنت لذلك  وبقيت بجانبهم الي ان حل الصباح

اصبح الفجر قريب جدا .. فقد اشرقت شمس الجمعة وفرح الأولاد لوجود والدهم بينهم فقد مر يوم كامل دون رؤيته ... كان الاولاد يمرحون حول والدهم فقد كان بالأمس نهاية العام الدراسي وقد بدأت الاجازة عندهم
ابي اتت الاجازة ويجب ان نستغلها جيدا ...
ابتسم عثمان وزهراء وقرروا ان يكون هذا اليوم لأولادهم رغم سوء الاوضاع الخارجية .. فقضوا مع بعض اسعد اللحظات التي لن تنسي استمروا علي ذلك طول اليوم
اسدل الليل ستارة من جديد وها قد اقترب موعد خروج عثمان .. فقد اتي بداية الاسبوع ويجب ان يذهب الي العمل وهذه المرة سيتأخر كثيرا ، وكان يجب ان يبلغ زهراء عن ذلك العمل ؛ فالأمور اصبحت حاسمة ولا يعلم ما يخفيه القدر ,
ذهب الاولاد للنوم بعد ان قضوا يوما طويلا برفقة والديهم , ولم يتبقى سواء عثمان وزهراء ؛ فقد اراد ان يبدأ الحديث معها ؛ واذا بالباب يطرق في منتصف الليل .
استغربت زهراء من القادم في هذا الوقت
خرج عثمان ليري من علي الباب .. واذا به رفيقه احمد ’’’
ماذا هناك يااحمد .. لماذا اتيت في هذا الوقت ؛

عثمان الامور اصبحت سيئة جدا والعدو اصبح علي البوابة الشمالية للقرية ينوي دخولها الليلة ويجب عليك ان تذهب الي الدكانة هناك الكثير من الامور يجب ان ننهيها ونجهز انفسنا ..
اذهب انت وانتظرني ،،، ولكن امهلني من  الوقت فعائلتي لم تعلم شيء بعد .
سأنتظرك علي مفترق القرية ولكن لا تتأخر كثير ؛ سأكون بانتظارك
اغلق الباب واصبح هناك شيئا غريبا يسيطر عليه ؛؛
ماذا هناك ياعثمان ؛ ومن الذي كان معك علي باب المنزل
خيم الصمت قليلا بالمكان ... وخرجت منه كلمات " يجب ان تعلمي ما يدور  يا زهراء فلم يعد هناك الوقت ؛ وقد جاء الوقت المناسب لذلك ؟
تعجبت زهراء من كلام زوجها وطريقة حديثة معها ..  وعثمان مستمر بكلامه  "لا استطيع ان اوضح لكي كل شيء " فلم يعد هناك وقت كثير
باختصار ... هناك عمل اخر اقوم به بجانب  دكانتي ومن نظري فهو اهم من ذلك وما الدكانة الا تغطية علي ذلك العمل .

فانا اعمل مع المقاومة وفي كل يوم اخرج معهم للتدريب والتجهيز واصبحت ذات قدرة كبيرة علي ذلك فقد مضي عامين علي ذلك . والان اصبحت مسؤولا عن جانب مهم في ذلك ولكن في هذه الفترة اصبحت الامور اكثر سوءا واصبحت منشغلا جدا ... والان اصبح العدو داخل القرية ؛ لذلك يجب ان اذهب ولكن لا اعلم متي سأعود ........
كان كل ذلك الحديث  يدور  وزهراء  صامته  ومتعجبة  جدا  من  كل  ما  ينطق  به زوجها ,,, وبدات الدموع تسيطر علي عينيها  وعثمان يستطرد  حديثة  وينطق  كلماته       " بانه لا يعلم اذا كان سيعود او لا
قالت زهراء .. كنت اشعر بانك تخفي عني أمرا ولكني لم اعتقد بان يكون ذلك ، فلا اعلم ماذا اقول .. وتمنت لو انه يترك هذا العمل ويبقي معها هي والاولاد .. ولكنه اقنعها بان ذلك مستحيل ولا يوجد تراجع بذلك
واوصاها برعاية الاولاد والاهتمام فيهم ومحاولة عدم معرفتهم باي شيء
فلا تحزني يا زوجتي ؛ وسامحيني اذا كنت أسأت اليكي  يوما او احزنت قلبك ، فرب العباد لا ينسي احد "كوني علي يقين بذلك" وان شاء الله اعود قريبا
والان اريد ان اصلي قبل الخروج فقد حان موعد اذان الفجر ,,
ذهب ليتوضأ وزوجته حار الدمع في عينيها  وجلست تبكي  وحزنت لفراق زوجها لها ... وذهب لتتوضأ وتصلي الفجر وتدعو لزوجها ..
وعثمان بدأ يجهز بنفسه للخروج .. ثم نوي للخروج بعد ان ودع رفيقة حياته وطلب منها الدعاء له ولرفقائه .. خطي خطواته بهدوء حتي لا يشعر أبنائه  بخروجه ؛ ولكنه قبل ان يصل الي الباب ,, اذ بزوجته تضع يدها علي كتفية

فألتفت اليها ... واذا بالعيون تبرقان في التقائهما
فقالت هامسة ... والدموع تبرق في عينيها
امعك ما يحميك  فالأجواء  باردة والسماء مليئة بالغربان الخبيثة
فرد بصوت خافت
الارض فراشي والسماء غطائي
وعتادي والبندقة رفاقي
وطعامي كملح اسير سجين خلف القضبان
ودعائك هو سر التمكين والهدي والنجاة
 ودعته ودعت له بأن يسهل الله امرة ويحفظه لها ولأبنائها ...
خرج واغلق باب المنزل خلفة ,, كأن عينية تعلن البكاء ولكنة صابرا علي ما هو فيها وما كتبه الله له .
 وزهراء عادت الي فراشها وفكرها بذلك الذي خرج يتخطى دروب الليل في وجود الاعداء حتي يصل الي مبتغاة .
وصل عثمان الي مكان وجود رفيقة الذي كان بانتظاره
قال له احمد يجب ان نأخذ العتاد ونذهب الي رفقائنا في البستان ؛ وذلك قبل ان يحل الصباح فهم في انتظارنا ...
وامرت القيادة بان يتم توزيعنا  في المناطق القريبة من الحدود حتي نعلم بكل ما يدور علي اطراف القرية
ولكن لم تخبرني يارفيقي ،، لماذا تأخرت كثيرا
حدق بالسماء ويقول زوجتي يا احمد ؟؟
ماذا هل علمت بشيء ؟
هي تعلم   وتخفي كل شيء واليوم حدثتها بالأمر ، ولكنها كانت الليلة مختلفة كثيرا ؛ فقد امسكت بي واطمأنت بانني  احمل ما يلزمني .
اتعلم يارفيقي .. شعرت في أوج اللقاء بأن شيئا غريبا يدور هناك .
عينان تبرقان .. ودموع  تختبئ  خلف العيون ؛ ويدين ترتجف ,,,

قاطع ذلك الحديث ؛ صوت نداء من القيادة .. علي الجميع اخد الحذر فالطيران اصبح قريبا في السماء والجنود اصبحت داخل الحدود
ابتسم عثمان ابتسامة خفيفة مليئة بالحزن ... الم نجد بعد يااحمد حلا لتلك الغربان ؛ فقد اصبح  صوتها  يزعجني جدا ...
انتظر ياصاحبي ففي كل يوم نصر بأذن الله ,,
سأصبر ولكن ليس طويلا .. فصوتها يوقظ اطفالي واخاف ان يفتقدوا تواجدي بينهم
اعندك زوجة بهذا الفكر ياعثمان وتخاف علي محمد وانس وعبد الرحمن .... وحياة ،، يارفيقي .

 دع عنك الاحزان ودعنا نبدأ عهدا جديدا بلون الفرح ؛ فإنني اري نجم النصر يبرق في السماء
اشرقت شمس الصباح لتعلن بداية يوم جديد ... فقد اشرقت علي اجتماع الفرق بالقيادة تخطط وتعطي المهام لكل شخص
كان دور احمد وعثمان حماية تلك الحدود الشمالية "منطقة البستان" ... حيث ذهب كل منهما وبدا بتجهيز نفسة والذهاب الي هناك  وبدأوا العمل مع رفقائهم المتواجدين . وبعد ساعات من وصولهم بدأت الجنود تتقدم وكأنها علي موعد معهم
لم يتبقي الكثير حتي يصلوا الي البستان وهو الفاصل بين الحدود والبلدة . وهنا قد جاء القرار لهم بالتصدي ...
نظر كلا من احمد وعثمان الي بعضهم وكأنهم ينتظرون ذلك القرار منذ فتره .. اصبحوا يركزون فقط علي اعمالهم وان كانت لحظات من الايام الماضية تأتي كلمح البصر علي اذهانهم

 وكانت زهراء منشغله بعمل المنزل وفكرها مع زوجها وتردد الدعاء له
ودار الشباك بينهم لمدة تزيد عن ساعه ووصل الصوت الي القرية فخاف الجميع وزاد خوف زهراء ... فنتيجة الاشتباك الشديد قد تم اصابة احد الجنود لذلك تم تراجعهم  رويدا .. فزاد فرحهم وكأنهم بانتصار ولا يعلمون بانهم سيعودون قريباً ..

ولكن عثمان اخبر من معه بان الاحتلال خبيث ولن يعدي تلك اللحظة علي خير وسوف يعود قريبا ً ولكن الوقت مجهول لذلك يجب ان نبقي علي حذر شديد ...
كانت زهراء صابرة وتصبر ابناءها علي غياب والدهم وتخبرهم بانه في مهمه عاجلة وهو يفعل ذلك لحمياتهم ويوفر لهم كل شيء وسيعود قريبا ان شاء الله .
اصبح الاحتلال كالمجنون بعد اصابة جندي منهم ؛ فقد قصفوا موقعا علي الحدود الأخرى للقرية وكأنها عملية ترهيب وتخوف للأهالي ... استمر ذلك التخويف طيلة النهار الي ان حل المساء ...
يبدو ان العدو لم ينسي ما حصل في بداية اليوم وقرر ان اليوم لن ينتهي قبل ان يثأروا لجنودهم .. فقد اعلنوا في قرار عسكري صارم بدخول القرية والتصدي لكل من يقابلهم ولكن هذه المرة كانت بعتاد اكثر واقوي ...

بعد ان حل الظلام واطمئن العدو بان هناك استقرار من قبل الاهالي ... بدا يتقدم مره اخي . وهذه المرة كان هناك قائد عسكري جديد قد أرسلته القيادة العسكرية لكي يتولى هذه المهمة ..
جاء القرار في الساعة الحادية عشر مساءا والتنفيذ يجب ان يتم بعد ساعه من نفس اليوم .
جاء احد الزملاء في البستان لعثمان  واخبره بان هناك عتاد اكثر من الليلة السابقة وان الجنود بدأوا بالتقدم مره اخري يبدو ان اليوم يومهم كما يقولون ....
بدأ الاشتباك بينهم مره اخي وهذه المرة كان اقوي مما سبق فلم تكن الاسلحة هي التي استخدمت من قبل و الجنود ليس نفسهم  ... لقد تم تغير كل شيء
افاق اهل القرية علي ذلك الصوت وسيطر عليهم الرعب والخوف مره اخي وزهراء اخفت اطفالها في حضنها وهي حزينة علي من فارقهم وتعلم مكانه ، ولكنها كانت تخفي حزنها امام اطفالها حتي لا يصابوا بالرعب والخوف .. فكانت تخبرهم بان ذلك مجرد تخويف وسينتهي قريبا ...
استمر ذلك الاشتباك علي فترات متقطعة طوال الليل ؛ هدأت الامور مع بزوغ الفجر لليوم التالي ؛ وكان الاحتلال يحب العمل ليلا ,,, ولكن القائد الجديد يبدو انه خبيث ويفكر في حيله جديدة ,, يخفيها لليلة القادمة

تمضي الايام ,, وكل شيء علي حالة
ام صابرة ترعي اطفالها في غياب والدهم
ورجال المقاومة صامدون تحت نيران العدو والبرد ليلا
واهل القرية اصبحوا لا يخرجون من بيوتهم الا  للضرورة
والعصافير تشدو بألحانها وكأنها علي موعد مع عرس جديد في البلدة .
حل الظلام وبنفس موعد الليلة الماضية بدا الاشتباك بين الطرفين ؛ استمر كثيرا هذه المرة وبين الحين والاخر كانت قوات العدو تتقدم الي ان اصبحت علي بعد امتار قليله من البستان
ترك عثمان مكانة وذهب بعيدا دون تخطيط مسبق مع رفيقة احمد ,,, يبدو انه يخطط لشيء ما ... كان ذلك الشيء هي قنبلة في يده قد صنعها واراد ان يجربها في الاحتلال هذا اليوم ...
رماها فأصاب منهم عدد بسبب قربهم منه ولكنة اصيب هو ايضا ولكن لخطورة الموقف لم يستطيع احد ان يصل اليه
فرغم الاصابات الا ان اطلاق النيران لم يتوقف ... استمر لساعات وكان عثمان مازال ينزف بشدة فأصابته لم تكن بسيطة ...
افاقت زهراء علي كابوس قد راته بالمنام فهرعت لتطمئن علي اولادها ... بعد ذلك لم تنام فصوت اطلاق النيران اصبح مزعجا وقريبا وجميع من في البلدة لا يهنأون وغير مطمئنين ... وكأنهم علي موعد مع حرب ..

مازال عثمان ينزف  ؛ وهو يردد الشهادتين ويدعو بان يحفظ الله عائلته وان تسامحه زوجته ..
بعد ان هدأ الوضع قليلا حاول احمد ان يصل الي عثمان ,, فاذا به مفارق الحياة .. فسحبة الي ان وصل الي مكان هادئ واخذ يبكي علي فراق رفيقة ؛ ولكن كان من الصعب ان يتم إيصاله الي القرية ليتم دفنه هناك

فقرر مع رفقائه ان يتم الصلاة عليه وتجهيزه هنا ودفنه في احد الاماكن القريبة من القرية ..
اقر احمد بانه لا بد من تبليغ عائلته بما حدث لعثمان ... فقد قرر ان يذهب هو لعلمة بمكان منزلة ..
صلي الفجر واخبر رفقائه بانه لن يتأخر سيوصل الخبر ويعود مسرعا قبل ان يحل النهار ... بدا يتخبط الدروب ويمشي بحذر شديد الي ان وصل الي اطراف القرية ...
فاطرق الباب وكان محمد هو من يفتح الباب فقد انهي للتو صلاة الفجر .. مازال علي الدرب الذي بداه معه والدة
صباح الخير يامحمد .. كيف حالكم
اجاب نحن بخير والحمدلله ؛؛ ابي ليس موجودا ؛ اذا كنت تريده
ابتسم ابتسامة حزن وقال له ؛ اريد والدتك يابطل في امر مهم
امي هناك رفيق ابي يريدك لأمر ضروري ..استغربت زهراء لسؤاله عنها
فهذه هي المرة الاولي التي يسأل عنها رفيق زوجها ...
من خلف الباب تحادثه زهراء ....تفضل يأخي ماذا تريد .. هناك خبرا احمله اليكي
ردت سريعا من عثمان ، هل هو بخير ,, كيف حاله
نعم يااختي هو بخير والحمدلله . ولكن اريد ان اخبرك بانه اصبح هناك بعيدا عنا اسال الله ان يجمعني به في الفردوس ان شاء الله
ياله من خبر وكانه كالثلج نزل علي قلب زهراء ,, فبدا تبكي ولم تتكلم أي كلمة ... عادت الي الداخل وعيونها مليئة بالدموع والاطفال بدا يبكون بشدة علي فراق والدهم الذي مضي اسبوع كامل دون رؤيته ..
حزن أحمد لذلك الموقف , ولكنه كان لا بد من أن يبلغها بذلك ؛ عاد أدراجه الي البستان فكان لا بد ان يغادر القرية  قبل شروق الشمس ...
اعلنت الام الحداد واهل القرية قد جاءوا رغم صعوبة الاوضاع ان يواسوها في حزنها .. وبدأ يصبرونها ويخبرونها بانها يجب ان تهدا من اجل اطفالها ويجب ان تصبرهم ..
مضي اسبوع من الحزن والالم علي منزل عثمان والام صابرة وتبكي بحرقة علي فراق زوجها ....
فهي لا تعلم هل تبكي علي فراق زوجها  ... ام علي اطفالها الذين مازالوا في بداية حياتهم
وبين ذلك وذلك تدعو الله ان يصبرها ويرحم زوجها
مازال جنود الاحتلال في التقدم نحو البلدة ورجال المقاومة مازالوا مستمرين في تصديهم والدفاع عن القرية ولكن هناك حزن كبير في قلب احمد علي فراق رفيق دربة عثمان
ففي كل يوم يزداد الامر سوءا الي ان جاء اليوم الذي اعلن فيه الاحتلال بان القرية تحت السيطرة ويمنع الخروج من القرية
بدا حال القرية يزداد سوءا فالعدو لا يسمح بالخروج لاحد الا لفترات قليله جدا كل يومين
مرت الايام ... وبكل يوم يفيق اهل القرية لعلهم ينعمون بيوم جميل
كانت ام محمد تبدا يومها بإيقاظ ابنائها وتتركهم في المنزل  بحفظ الله . وهي تخرج لتحضر مايقسمة الله لها ولأبنائها من طعام لكي تعود اليهم  وتسكت الام جوعهم ... فقد ساء الحال بهم بعد استشهاد زوجها ...

لم تكن ام محمد كبيرة في السن فقد كانت في العقد الاربعين من العمر؛ فقد مات زوجها  وهي من تكفلت بتربية ابناءها الي ان وصلوا لهذا العمر , كان محمد يلاحظ التعب الذي بدا يسيطر علي والدته
 وهنا قرر  ان يتولى عنها المسؤولية لكي يعطيها الوقت لترتاح ..

لقد جاء اليوم التالي وكانت هناك ابتسامة كبيرة تملأ وجه محمد ...

أمي انظري إلي لقد بلغت الخامسة عشر من العمر؛ لقد كبرت يا أمي واصبحت رجلا؛ وسأحمل عنك المسؤولية لكي ترتاحي يا أمي. كانت عائلة ام محمد فقيرة جدا؛ لا تملك شيء سوي قوتهم اليومي الذي كانت تحصل عليه والدتهم, واليوم سوف يحضره لهم أبنهم الاكبر محمد الذي بلغ الخامسة عشر في اليوم السابق؛.
لقد قرر التنازل عن حلمه الذي هو حلم كل طفل "بان يكمل دراسته ويعود الي المنزل ليتناول طعامه ويراجع دروسه .. لم يعد هذا حلمي؛ لقد تغير واصبح ...ماهي الطريقة التي بها سأحصل علي الطعام واعود بها لأخوتي و أمي؛ ومنذ ذلك اليوم وأنا أستيقظ علي صوت أمي.
 صباح الخير يا ولدي ..هيا لقد بزغ الفجر اخرج لتعود بما قسمه الله لنا بهذا اليوم.

يقول محمد:
لقد كنت أخرج في الصباح الباكر ومن قبل طلوع الشمس وحتي المغيب أتجول في شوارع قريتنا أو بالقري المجاورة رغم تواجد الاحتلال بالقرب من القرية واحيانا داخلها , فقد كنت أعود ومعي ما قسمه الله لي ولأخوتي, وأحياناً أعود كما خرجت !
فيكون في استقبالي حزن أمي ودموع أخوتي الذين ينتظروني لكي يسكتوا الم الجوع . ولكن ما باليد من حيله؟

فننام هذه الليلة كمعظم الليالي دون طعام ولا شراب؛ وننتظر اليوم التالي لكي أخرج فيه؛ لعل وعسي هذا اليوم يكون خيراً مما مضي, تبقي أمي بجانب أخوتي تسكتهم الي ان تغفي عيونهم .
ولكن محمد لم يعد ينتظر سكوت أنين وبكاء اخوته ولا هدوء المساء لكي ينام ؛ فقد نام منذ ساعات مضت. لقد كان بالفعل يوماً شاقاً عليه وتعب من السير طويلاً .
لقد خيم الظلام ونام محمد ونامت معه أحلامه التي طالما وضعها أمام عينيه ولكن دون جدوي في تحقيقها. ونامت أم محمد ودموعها في عينيها حزينة مره علي حال اولادها وأخري علي فراق زوجها لهم وهم في أمس الحاجة إليه. استمر عليهم هذا الحال لفتره طويلة ..وبكل يوم يخرج محمد كالباقي الايام ؛ يعودا فرحا مره وحزينا مره اخري ..
حل فجر جديد واستيقظت ام محمد كأي يوم مضي استيقظت والعديد من التساؤلات تجول بعقلها..
 ما هذا الصوت المزعج ؟    ماذا يحدث ؟

لقد استيقظت علي اصوت الدبابات واطلاق النيران واصوات تعلو في الاجواء هنا وهنا ..واخيرا عرفت اجابة التساؤلات التي حار فكرها بسببها..
نعم؛؛ انه الاحتلال ؛ انهم الصهاينة ؛ انهم اعداء الله؛؛ لقد احتلوا القرية, واصواتهم تعلوا بالمكان تنادي علي من هم فوق العشرين عاماً بالتجمع في مكان قريب منهم ....
انزعجت ام محمد لذلك وقد حزنت وبكت ؛ ولكن وسط ذلك الشعور الممزوج بالألم والحصرة خرجت ابتسامه صغيره من اجل اطفالها ؛ لتشعرهم انهم مازالوا جميعا بخير؛ وسوف تكون الامور بخير.
لقد مر اليوم الاول والثاني والثالث ومازال الحال كما هو؛ ولم يعد لديهم لا طعام ولا شراب في المنزل, وقد بدأ بكاء الاطفال جوعاً والماً. والام لا تملك شيء سوي انها تروي لهم قصص خيالية وتلهيهم الي ان تغفي عيونهم وينامون جوعاً . تنام الاطفال ويذهبون الي عالمهم البريء المليء  بالأمن, عالم رسمه لهم خيالهم لينسيهم مرارة الواقع. استمر هذا الحال الي اسابيع ولم يعد الأمر يطاق, فلا محمد ولا امه قادرين ان يستكوا انين اطفالهم والقرية مازالت محاصرة ويمنع أي شخص من الخروج او التواجد بالشوارع من اجل ان تستغيث به ام محمد من اجل اولادها. .. لقد حل الظلام وبدأ شبح الليل يخيم علي عائلة ام محمد, ولكن ما بال محمد هذه الليلة انه دائم التفكير والانشغال بعالم اخر, ماذا يحدث يا محمد؟؟

أمي ... سوف اخرج غداً لأقوم بما كنت اقوم به بالسابق ولعلي اعود بشيء من أجلكم, هذا ما كان يفكر به محمد وقد حسم الامر بذلك وقرر الخروج في الصباح.
لقد حل الصباح وجاء اليوم المنتظر عند محمد, كانت امه خائفة جدا علي قرة عينيها ولكن لم يكن هناك امر اخر تقوم به خرج ولسان حالها يدعو له وتدعو الله بان يرجع لها ابنها سالما من كل شر.
خرج محمد وصار بالشارع ولكن يا لجمال ماهناك, انها حمامه بيضاء ترفرف فوق محمد وتسير معه, تفاءل محمد بيومه لعلها تحمل بشري ساره بهذا اليوم ... اخد محمد يتجول هنا وهناك باحثا عن شيء لأخوته او لعله يقابل احدا يطلب منه المساعدة, لقد قارب اليوم علي الانتهاء وبقي الساعات القليلة ليحل المساء ومحمد خائب لم يحصل علي شيء الي الان ..ماذا يحدث؟ اين اختفت تلك البشر؛ يعقل انهم ماتوا جميعا ؛هذا ما يجول في فكر محمد!!
لقد حل المساء وجاء موعد رجوع محمد الي المنزل؛ يعود ولا يحمل شيء ولكن هل سينهي محمد يومه كما بدأه في الصباح بالتفائل والامل, واين تلك الحمامة التي كانت ترفرف فوق رأسه واوهمته بالصباح الجميل..

عودي ايتها الحمامة واخبريني اين البشري التي تحملينها , سوف تعود يا محمد ولكن بعد قليل فلا تستعجل الامر.
لم يعد يفصله سوي شارع واحد عن قريته التي يقيم بها حيث انه علي بعد خطوات من الحاجز الاسرائيلي القريب من منزلهم, لم تكن تلك الوجوه هي نفسها التي رأها صباحاً, لقد تغيرت ملامحها.. لقد تم تغير الدورية الموجودة علي الحاجز وجاءت اخري. أوقف أحدهم محمد وكأنه يريد أن يتسلى هو ورفاقه لبعض من الوقت؛ هم يفعلون ذلك وام محمد تنتظر ابنها علي احر من الجمر وتترقب عودته لعله يلمع كالنجمة من وسط الغيوم!!!

اخذ الجنود يستهزئون من محمد ومن جسمه النحيل ومن سمات وجهه الطفولية التي تمتزج بقسوة الحياة ومراراتها. وهو صامت, خائف, حزين جدا, ولكن لم يقدر علي فعل شيء ... استمروا في استهزائهم وضحكاتهم تعلو...وتعلو... قال أحدهم: لماذا لا نجرده ملابسه لكي تكتمل فرحتنا ونري جسمه النحيل!!
 بالفعل فعلوا ذلك وتعالت ضحكاتهم؛ ولكن محمد ابتسم ابتسامه خجلة, ماذا يا محمد هل تشاركهم استهزائهم اما لماذا تلك الابتسامة؟
لا .. لم يشاركهم ؛ ولكنه قد رأي الحمامة في السماء.. ويقول في نفسه
نعم ... لقد جاءت , لقد أتت بالبشري وسُر لذلك,.
ولكن ...
ما زلت تلك الضحكات تعلو وتعلو, واصبحوا يرقصون وكأنهم يتسامرون ليلاً؛ واطلقوا النيران لتكتمل فرحتم وفجأة خيم الصمت بالمكان ماذا ..؟
 ماذا حدث ؟؟
لقد اصيبت الرصاصة قلب محمد.. وسقط علي الارض

ماذا أيتها الحمامة أما زلتي تحملين بشري أم هي تلك البشارة التي تحملينها منذ الصباح.. لقد جاءت ووقفت علي قلب محمد وطأطأة رأسها وكأنها تتلو الفاتحة علي روحه الطاهرة بقيت لفتره ..ومن ثم طارت إلي السماء وهي تحمل روح محمد الطاهرة البريئة لتسلمها لملائكة السماء.
وانتهت حفلة الجنود وعادوا إلي منازلهم وكأناه لم يحدث شيء ومارسوا حياتهم بشكلها الطبيعي, ولكن ما حال أم محمد عندما سمعت الخبر..
فقد نزل عليها كالثلج الذي جمد مشاعرها؛ فلم يسمع أحد صوتها ولم نري سوي دموعها التي تلمع علي وجنتيها؛ فلم يعد هناك لا محمد ولا والد محمد,  لقد امتلأت عينيها بالدموع وهي تودع فلذة كبدها ونور عينيها, وتدعو المولي أن يجعله برفقة أبيه بالجنان ان شاء الله..

خيم علي القرية حالة من الحزن بعد فراق محمد وأبية عثمان، فقد كانوا نعم الرفقة في القرية لا يتركون مناسبة الا ويشاركون فيها أهل القرية ؛وكان في أحزانهم قبل أفراحهم ؛ غير أنهم كانوا من رواد المسجد دائما ،، وبجانب الحزن كان الاحتلال ما يزال بالقرية  فقد دمر العديد من المنازل وجرف العديد من الأراضي الزراعية التي كان تعين أهل القرية في قوتهم , ولكن في أحدي الأيام أفاق أهل القرية علي أصوات دباباتهم وألياتهم العسكرية تغادر القرية وكأن الضابط المسئول عن العملية قد أنهي مهمته عندما قتل عثمان وابنه محمد .. لذلك جاءهم قرار عسكري بمغادرة القرية
خرج الأهالي من بيوتهم وكأنهم مسجونين منذ فترة ؛ يتفقدون أحوالهم وأراضيهم الزراعية التي دمرها وجرفها العدو الصهيوني بألياتهم العسكرية .وبدأوا بترميم منازلهم واعادة ترتيب الاراضي وتهيئتها للزراعة ، كان المشاكس أنس قد بلغ الكبر وأصبح شاباً يرعي عائلته التي أًبحت في عهدته كما نري

فلم يعد يشاكس والدته مثل الماضي ؛ في أحد الأيام أخبرته والدته بأنه يجب أن يبحث عن عمل لكي يساعد في الأمور المنزلية
وتحسين الحياة من أجل عبد الرحمن وحياة اللذين مازال في بداية العمر .. كان هناك أحدهم في القرية يريد أحدا ليساعده في زراعة الأرضي
قرر أنس ان يذهب معه منذ اليوم التالي
استيقظ مبكرا وذهب معه الي الأرض ؛ كان الرجل نعم الاخلاق والمعاملة؛ فكان يحسن معاملة انس وبدأ يحبه جدا
كان الرجل " ابو مالك : لم يرزقه الله من الذكور فقد كان عنده " فاطمة وعائشة فقط" اللذين مازال في صباهما ؛ وباستمرار المعاملة بين انس وابو مالك ، اصبح يحبه كثيرا واعتبره في مثابة ابنه الذي لم يرزقه الله اياه
واصبحت العلاقة بينهما تتعمق وأخبر زوجته بان انس شب نعم التربية والاخلاق وانه يتمني لو ان الله يرزق بناته زوجا صالحا مثله ايضا كان أنس في كل ليله يذهب الي البيت ويحادث والدته بما يدور اثناء اليوم وكان دائم الشكر في صاحب عمله "ابو مالك" ,,,

كانت زهراء تفكر في ان تزوج ابنها انس لكي تفرح به ويملأ عليها المنزل فرحا ، رغم انه مازال صغيراً وكثيرا ما كان يرفض طلبها
ولكن في احدي الايام أخذت تحاوره وتمنت ان لا يرفض لها طلبها " وبعد اصرار الام الشديد وافق أنس علي ذلك ..
فبدأت تبحث في بيوت القرية عن صبيه تليق بأبنها أنس وتكون ذات خلق ودين ..
ذهب الي العديد من المنازل ولكن في كل مره يكون الامر غير مناسب ,, الي ان ذهب الي منزل كان علي اطراف القرية وكانت الأم هي وابنتها فقط في المنزل
طرقت الباب واذا بصبية جميله تفتح الباب لزهراء ؛ ابتسمت كثيرا زهراء وكان هذا اللقاء هو اللقاء الاول بين الكنة وحماتها
تحدثت الصبية .. تفضلي ياخالتي ,, فالبيت بيتك
دخلت زهراء لتقابل ام الصبية "حليمة " تحاورا في الحديث طويلا ؛ وبنهاية الحديث طلبت زهراء يد الصبية التي فتحت الباب .. فخابرتها الوالدة بان الله لم يرزقها سواء ابنتين والامر يعود بالنهاية الي والدهم

وهو الان بالعمل عندما يعود سيكون الأمر خيرا ان شاء الله
عودي غدا وبأذن الله يكون خيراً
ذهب زهراء الي المنزل وهي سعيدة بالصبية فقط احبتها من القلب .. تحدث بالمساء الي انس بأنها وجدت صبية جميله وستذهب غدا الي معرفة الرد من عائلتها .
لم تكن تدرك زهراء بأن تلك الصبية هي ابنة ابو مالك الذي يعمل ابنها عنده وام الصبية لم تكن تعلم بان تلك المرأة هي والدة أنس
عندما عاد ابو مالك الي المنزل اخبرته زوجته بما دار خلال اليوم ،، فصمت واخبرها بانه سيدرس الأمر ويعطيها الرد في الصباح ..
كان ابو مالك رجلا مؤمنا بالله لذلك تمني الخير لزوجته ونام مطمئنا وفي الصباح استيقظ واخبر زوجته بان تنهي الأمر اذا رأته خيرا وتتولي الأمر
جاءت زهراء في اليوم التالي وكان في استقبالها الزوجة الطيبة ودار بينهم حديث مره اخري وبهذه المرة كان الحديث شيقا وجميلا عن حالها وحال اسرتهم وكيف تربت وهنا ذكر أسم العريس " انس "
ابتسمت الزوجة وقالت : هل ابنك انس
اجابت زهراء : نعم وهل تعرفيه انتي

قال: ونعم التربية ، فزوجي دائما يحدثني عن ابنك ، فانتي ام صالحة وقد أعطيناكِ ما طلبتي فلن اجد غير ابنك زوجاً صالحا لابنتي
ابتسم زهراء وقالت : وانا اتشرف بكم وبنسبكم فانتم نعم العائلة والرفقة .
ابتسم انس كثيرا عندما علم بان زوجته ستكون ابنة ابو مالك ؛ فقد احبه من القلب وكان يعتبره مثل والدة
جاء المساء التالي وبدأت القرية تتزين بالأفراح ، قد ذهبت مجموعة من الرجال لتنهي مراسم الأفراح
وجاءت الليل المرتقبة منذ فتره طويلة لام محمد وهو ان يطرق الفرح باب قلبها ؛ الذي طالما عرف الحزن والام
ولكنها تمنت لو ان زوجها يشاركها فرحتها
ابتسمت كثيرا وزينت ابنها انس واطفالها عبد الرحمن وحياة لاستقبال عروستهم فاطمة التي ستملأ البيت فرحا باذن الله
قضي اهل القرية ليله سامرة وعامرة بالأفراح والمديح ؛ وذهبت العروس الي منزلها الجديد
وبدأوا حياة جديدة مليئة بالمحبة ؛ وكان ام محمد نعم الام الحنونة لها ؛ وكانت تسعي لتعليمها وزرع محبتها في قلب زوجا انس
مضي علي زواجهم عدة اشهر ؛ وقد استيقظت ام محمد علي خبر يسعدها كثيرا وهو قدوم ولي العهد الجديد بالعائلة ؛ مضي الوقت ولم يتبقى الكثير علي حضوره
الي ان جاء اليوم الذي توفي فيه عثمان وتم ولادة عثمان الصغير " الذي اراد انس ان يطلق عليه اسم والدة
ومن هنا دامت الافراح في منزل ابو محمد ...

تلك حكاية كل مقاوم فلسطيني واسرة فلسطينية .....
.

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على الأستاذة سماح عبدالقادر عثمان حسن قاسم الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد